غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
ثمة موضوعان يخصان الصيد البحري استأثرا باهتمام كبير للرأي العام، الأول يتعلق بظاهرة الصيد بالمتفجرات في إقليم الدرويش على الخصوص، وهو ما كان موضوع تقرير خبري مفصل بثت القناة الثانية في نشرة أخبار المساء ليلة الجمعة الماضية، والثاني يخص موضوع فتح وزارة التجهيز المجال لاستخراج الرمال من قاع البحر، والجدل الذي أثاره إعلاميا بسبب اعتراض مهنيي القطاع على هذه الخطوة غير المدروسة.
والحقيقة أننا ما فتئنا نذكر في كل مناسبة، وعبر مسار طويل، بالمخاطر التي يشكلها استعمال المتفجرات في الصيد في منطقة إقليم الدرويش، ونبهنا المسؤولين إلى التحديات التي تحملها هذه الظاهرة على القطاع وعلى البيئة البحرية، لكن يبدو أن منطق الاستسهال وأحيانا عدم الاكتراث، أعطى المبرر لتضخم الظاهرة وتحولها لدى البعض إلى ممارسة طبيعية لا تخشى المساءلة أو العقاب، مما جعل عدسة الكاميرات تلتقط الظاهرة بسهولة وتضع الرأي العام في صورة ما يجري في المنطقة، هذا في الوقت الذي كنا نحذر من خطورة هذا الظاهرة وكانت السلطات تطالبنا بما يثبت تحذيراتنا.
ولئن المجال ليس مجال لوم أو عتاب أو محاسبة، فإن المهم بالنسبة إلينا اليوم، هو أن هناك وعيا بوجود المشكلة وبخطورتها، وأن الإعلام العمومي قدم المعطيات الكافية عنها، فلم يعد هناك أي مبرر للتأخر في الضرب بيد من حديد على المتسببين في هذا النوع الخطير من الصيد الذي يهدد البيئة البحرية، وتكوين لجنة مشتركة تضم المعنيين بالقطاع من المهنيين، وممثلين عن وزارة الصيد البحري ووزارة الداخلية والدرك الملكي والبحرية الملكية لرصد هذه الظاهرة ووضع استراتيجية متكاملة للقضاء عليها.
لا نحتاج أن نذكر مرة أخرى، ونشدد على أن الظاهرة خطيرة وجدية، وهي اليوم تمثل تحديا في البحر يهدد البيئة البحرية ويهدد أيضا صحة المواطنين، ولعل تكاثر مرض السرطان بتلك المنطقة يطرح أكثر من علامة استفهام وحدهم المتخصصون من يستطيع الجواب عن ذلك. وإذا كانت هذه الظاهرة اليوم بهذه الصورة، فإنها غدا يمكن أن تتحول إلى تحد أمني في البر يصعب محاصرته لو لم يتم أخذ الموضوع بجدية ومحاسبة المتسببين في هذا النوع الخطير من الصيد.
وإذا كان الصيد بالمتفجرات يهدد البيئة البحرية برمتها، فإن استخراج الرمال من البحر لا يقل خطورة، إذ أن كل المعطيات العلمية تؤكد بأن مسافة ثلاثة أميال في المحيط الأطلسي التي منع فيها المخطط الأزرق الصيد بتقنية الجر وصيد مجموعة من الأسماك التي تتخذ هذه المسافة مكانا لتوالدها الطبيعي، تمثل خطأ أحمر لا ينبغي المساس به، وأن أي محاولة لاستخراج الرمال في هذه المسافة يعني إهدار كل الجهد العلمي الذي تم بذله لكي يتضمن المخطط الأزرق ضوابط علمية تضمن سلامة البيئة البحرية واستمرار المنتوج السمكي، كما يعني من جهة ثانية الإجهاز على كل المصالح والمكتسبات التي تم التوافق عليها بين مهنيي القطاع وبين الوزارة الوصية.
والواقع أن هذا الموقف الواضح الذي نعبر عنه بإزاء ما اقدمت عليه وزارة التجهيز لا يعني أننا بالضرورة نتموقع مع هذا المشروع أو ضده، فثقتنا في نزاهة وشفافية هذه الوزارة هي فوق أن يشوش عليها التقدير المخالف لمبادرة وطنية نعتبر أن هدفها نبيل وهو البحث عن مخزون إضافي من الرمال لتلبية الحاجيات المتزايدة في قطاع البناء.
إنما تعليقنا على هذه المبادرة أنها كانت تحتاج أولا إلى مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار رأي المعنيين بقطاع الصيد البحري، ويتم فيه أخذ رأي المؤسسة البحثية المعنية بالبحث الوطني في قطاع الصيد البحري، أي المعهد الوطني للبحث العلمي، والذي لا يساورنا شك في أنه سيدعم وجهة نظرنا، لأنها مسنودة بأدلة علمية لا مجال للتشكيك فيها، إذ لم يتجه المخطط الأزرق إلى تحديد ثلاثة أميال في المحيط الأطلسي كمسافة يمنع فيها صيد الجر وصيد بعض الأسماك، إلا لكونها تشكل المجال الحيوي الذي تتوالد فيه جل الأسماك، إذ لا خلاف في أن استخراج الرمال في هذه المسافة يتسبب في تعكير صفاء المياه، وهو بدوره قد يتسبب في هروب التون الأحمر والتونيات العائمة ويمنعها من الوصول إلى الشواطئ المغربية لأنها بطبيعتها لا تحب الماء العكر.
والحقيقة أن المشكلة لا تكمن فقط في هذا الضرر البليغ الذي سيمس مصالح المهنيين ويضر بالبيئة البحرية، وإنما تكمن أيضا في تعريض المصالح الكبرى للمغرب للتهديد، فلا ننسى أن للمغرب مصالح داخل المنظمات الدولية، وله كوطا محددة من التونيات العائمة، والتي تمثل السواحل الأطلسية الشمالية- أقصد ما بين 0 وميلين أو ثلاثة أميال- ممرها الطبيعي قبل وولوجها البحر الأبيض المتوسط، فيصبح بذلك استخراج الرمال من البحار سببا في تعكير المياه، ومن ثم عدم مرور تلك الأسماك محادية لشواطئنا مما قد يجعل المزارب المتخصصة في صيد سمك التون عرضة للإفلاس.
حسب معطيات دفتر تحملات وزارة التجهيز والنقل الخاص باستخراج الرمال من البحار، فالأمر يخص خمسة نقط، واحدة منها توجد بمنطقة تهدارت، وأربع نقط أخرى توجد بالنفوذ الترابي للغرفة الأطلسية الشمالية.
والظن أن الوقت لم يفت بعد، وأن الحكمة التي تتمتع بها وزارة التجهيز تجعلها في غنى عن مواجهة مباشرة مع المهنيين الذين لا يمكن لهم أن يعرضوا مصالحهم للخطر لاسيما وأن مقتضيات مخطط أليوتيس تقف في جانبهم وفي جانب حماية البيئة البحرية، ولذلك، تحذونا الثقة المطلقة، في أن تتجه وزارة التجهيز والنقل، بتشاور مع وزارة الصيد البحري، إلى تسوية هذا المشكل ووضع نهاية لأي تطلع لاستخراج الرمال من البحار والبحث عن بدائل أخرى ممكنة جربتها دول في شمال ضفة المتوسط مثل إسبانيا دون أن تضطر إلى فتح جبهة مباشرة مع مهنيي قطاع الصيد البحري.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية