غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
استخراج الرمال من البحر.. بين العمل المؤسساتي والتوظيف السياسوي.
أثارت قضية استخراج الرمال من البحر ردود فعل قوية من قبل مهنيي الصيد البحري، وكان من الطبيعي أن تثير هذه المواقف الرافضة، ليس لأن هذه القضية تتعارض مع مصالحهم فقط، ولكن لأنها تتعارض مع المصالح الحيوية للمغرب، وبشكل خاص انخراطه والتزامه الدولي بالحفاظ على البيئة البحرية.
لكن، مع ذلك، ينبغي أن نقر بأن وزارة التجهيز كانت في غاية الشفافية، فقد لجأت إلى أسلوب دفاتر التحملات التي تجعل الأمور مكشوفة علنيا، كما أنها فتحت المجال للاستشارة مع المؤسسات العلمية لتبدي رأيها في هذا الموضوع، وتصرفت بمنطق المصلحة الوطنية، حين حاولت البحث عن مخارج للنقص الحاصل في الرمال للاستجابة لمتطلبات أوراش البناء الكبرى التي انخرط فيها المغرب.
نعم أخطأت وزارة التجهيز حين تسرعت في الإعلان عن دفتر التحملات قبل إنجاز الاستشارات الضرورية، لكن ذلك لا يضرها في شيء ما دامت في الأخير أعطت الكلمة الفصل إلى رأي المعهد الوطني للبحث العلمي التابع لوزارة الصيد البحري.
ليست الغاية من هذا المقال هو مناقشة قرار وزارة التجهيز والمنهجية التي اعتمدتها، فمجرد تبنيها للشفافية في تدبير هذا الملف، وانفتاحها على آراء المؤسسات العلمية المعنية، يجعل أخطاءها مغتفرة، إنما الغاية من هذا المقال، أن نقارن بين أسلوبين في التعاطي مع هذا القرار.
أسلوب تحرك مبكرا، من خلال تصريحات كل من رئيسي الغرفة المتوسطية والغرفة الأطلسية الشمالية للصيد البحري إلى وسائل الإعلام، يعبران فيها عن رأيهما الرافض لهذا القرار، ويعتبران أن مشروع دفاتر وزارة التجهيز متعارضة مع مخطط “أليوتيس”، ويقحمان المؤسسة العلمية في الموضوع باعتبارها صاحبة الكلمة الفصل في الموضوع، وأيضا من خلال تحرك مؤسساتي داخل مجلس المستشارين، تضمن تدخلا من رئيس الغرفة المتوسطية للصيد البحري عند مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الصيد البحري، الذي أعقبه التزام الوزارة بإحالة الموضوع على المؤسسة العلمية، أي المعهد الوطني للبحث العلمي ليقول رأيه في الموضوع، وأيضا من خلال مراسلة الوزارة الوصية مرة ثانية، وبشكل رسمي، من قبل الغرفة المتوسطية والغرفة الأطلسية الشمالية للصيد البحري، والتي تم الإجابة عنها رسميا من قبل الوزارة بعد أن قال المعهد الوطني للصيد البحري كلمته في تقرير مفصل قدمه للوزارة في الموضوع، أكد فيه على مخاطر استخراج الرمال على البيئة البحرية، وتعارض ذلك على مخطط “أليوتيس”.
أما الأسلوب الثاني، فهو الذي تحرك في الوقت الضائع، بعد أن طوت وزارة التجهيز الموضوع، فقامت جمعيات ناشئة حديثا بتكوين تنسيقية في الموضوع، ودخل سياسيون في الوقت الميت لاستثمار هذا الملف ومحاولة استدرار تعاطف مهنيي الصيد البحري لتوظيفهم في معارك لا علاقة للصيد البحري بها، وانطلاق نقاش عقيم وردود فعل متشنجة غير ذات معنى تتوجه ضد المؤسسات التي كان لها الدور الأبرز في إيقاف هذا المشروع والتنبيه على خطورته.
نعم، لا يشك أحد في أن العمل المدني له دوره وفائدته وجدواه، لكن المفترض في هذا العمل أن يكون موازيا ومتكاملا مع العمل المؤسساتي إن توحدت الأهداف والمصالح، والمفترض أن يكون العمل المدني داعما للعمل المؤسساتي في حالة حصول نتائج إيجابية، كما هو الحال في تحرك الغرف، لا أن يكون عامل تشويش، وإثارة لمشاكل لا غنى للقطاع عنها.
المفارقة، كما توضح نتيجة كل أسلوب على حدة، أن العمل المؤسساتي أعطى نتائجه بهدوء كامل ومسؤولية كبيرة، ولم يتنازل قيد أنملة عن مصالح المهنيين وعن المصلحة الوطنية المتمثلة في حماية البيئة البحرية، بينما تأخر العمل المدني، ولم يتحرك إلا في الوقت الضائع، بل تحرك بعد أن حسم العمل المؤسساتي الأمر، وحين تحرك، وجد من يتلقفه من بعض السياسيين الذين لم يتحركوا وقت أن أثير الملف بقوة، بل تحركوا فقط بعد فوات الأوان، ليغازلوا قطاع الصيد التقليدي لغايات نقابية وسياسية لا تخطئها العين.
نأمل أن تقدم قضية استخراج الرمال من البحر درسا بليغا للمهنيين في قطاع الصيد البحري، حتى يتعزز لديهم اليقين بأن العمل المؤسساتي الجدي والمسؤول لا غنى عنه، وأن العمل المدني الذي يخاصم العمل المؤسساتي مع وحدة الهدف ووحده “النضال” لا يمكن أن يخدم سوى أطر أخرى سياسية أو نقابية لا علاقة لها بقطاع الصيد البحري.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية
نعتمد عليك في تطوير هدا القطاع الحساس ومتمنياتنا بالتوفيق و النجاح وتمام الصحة و العافية وشكرا