على خلفية ملف استخراج الرمال من البحر: هل كان السيد رباح في حاجة إلى أن يضع نفسه في الحرج.

غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة

في بعض الأحيان تقع أشياء في تدبير الشأن العام لا أجد لها تفسيرا، فالأمور حينما تكون واضحة وضوح الشمس في واضحة النهار، وتتواتر المؤشرات تدعمها واحدة تلو الأخرى، لا أدري كيف لا تؤخذ عند بعض المسؤولين عن تدبير الشأن العام بهذا الوضوح، فيتمادون في عدم الاستماع إلى الحقيقة إلى أن يصدموا بالواقع العنيد.

مناسبة هذه التوطئة، هو الطريقة التي تعاملت بها وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك مع المواقف التي عبرنا عنها بخصوص استخراج الرمال في وسط البحر، وكيف استمرت في تجاهلها حتى وصلت في نهاية المطاف إلى الحائط.

في حينها، وعند إعلان وزارة التجيهز عن هذا المشروع، سارعنا إلى انتقاد الموقف بكل لباقة، وتحدثنا عن الآثار الكارثية التي ستحلق بالثرورة السمكية والبيئة البحرية، وأن إدخال الجرافات والآليات الضخمة إلى مدى ثلاث أميال أو أكثر لاستخراج الرمال سينتج عنه إضرار كبير بالثرورة السمكية التي تعتبر أحد أهم مصادر الثروة في المغرب وإخلال بالالتزامات الدوليبة التي قطعها المغرب مع شركائه فيما يخص الحفاظ على البيئة البحرية، هذا فضلا عن كونه سيشكل بؤرة توتر واحتقان كبيرة في المناطق الأربعة التي برمجت الوزارة فيها هذا المشروع، وقلنا بكل وضوح بأن إخراج دفاتر تحملات لاستخراج الرمال من البحر كان لا بد أن تسبقه خطوة الاستشارة مع المؤسسات العلمية المعنية حتى تبدي رأيها في الموضوع، قبل الإقدام على خطوة غير مدروسة يبررها فقط البحث عن الاستجابة لمتطلبات أوراش البناء الكبرى التي انخرط فيها المغرب.

لكن الوزارة لم تكترث بهذه النصائح الهادئة، وركبت رأسها، وأصدرت بلاغا للرأي العام تجيب فيه عن بعض الصحف وتؤكد فيه أنها قامت بالاستشارات الضرورية ونسقت مع وزارة الفلاحة والصيد البحري، وأنها تسلمت الفتوى من المعهد الوطني للبحث العلمي التابع لوزارة الصيد البحري قبل أن تقدم على هذه الخطوة، وهو ما دفعنا في حينه – بصفتنا رئيس غرفة – إلى مراسلة وزير الصيدالبحري مرتين للاستفسار عن هذه المعطيات، فتسلمنا ردا رسميا من قبل الوزارة يتضمن التقرير المفصل للمعهد الوطني للبحث العلمي يؤكد فيه ما سبق أن ذهبنا إليه من كون استخراج الرمال من البحر يهدد البيئة البحرية ويتعارض مع مخطط أليوتيس الذي يمنع الصيد في ثلاث أميال مراعاة لتلك الاعتبارت.

كنا نظن أن الموضوع قد طوي، وأن وزارة التجهيز استوعبت الخطأ الذي ارتكبته ورجعت إلى الوراء، لكن، يبدو أنها أصرت في المضي في الطريق الخطأ، معرضة عن الرأي العلمي الذي اصدره المعهد الوطني للبحث العلمي، وغير مكترثة بالتحذير الذي وجهته وزارة الصيد البحري للوزارة في لقاء جمعها مع المهنيين حول الموضوع.

اليوم، دخلت المعارضة على الخط، وتبنى حزبالاستقلال سؤالا كتابيا في الموضوع وجه لوزير الصيد البحري السيد عزيز أخنوش، فلم يجد بدا من أن يضع الرأي العام أمام حقيقة الأمور، ويظهر براءة ذمة الوزارة من هذا الملف بعد أن راسلت وزارة التجهيز مرتين في الموضوع، تكشف له مضمون التقرير الذي أنجزه المعهد الوطني للبحث العلمي الذي أكد مخاطر استخراج الرمال من البحر على البيئة والحياة البحرية وأثر ذلك في تخريب التوازنات البيئية لتوالد الأسماك وفي اختناق حقول المرجان الأحمر وغير ذلك من الاثار الخطيرة التي فصل في ذكرها التقرير الذي تلقينا نسخة منه.

تأملت في هذا المسار الذي انطلق من بداية هذه السنة، وتساءلت عن السبب الذي يجعل وزارة ما ترفض الاستماع إلى نصائح هادئة خالية من الغرض السياسي، وتعاند كل الحقائق، وتدعي في بلاغ رسمي لها أنها تشاورت مع المعهد الوطني للبحث العلمي فدعم مشروعها، وتجد نفسها في نهاية المطاف في حرج شديد يوظفه خصمها السياسي بطريقة لا عناء فيها ولا جهد، بعد أن اضطرت وزارة الصيد البحري إلى أن تبرئ ذمتها بعد مطالبتها وزارة التجهيز بإيقاف جميع طلبات العروض المتعلقة باستخراج الرمال من البحر.

عدت لأتساءل بعد هذا المسار الطويل، هل كان السيد عزيز رباح، وهو بالمناسبة لا ينقصه الذكاء السياسي لتنجب الوقوع في هذا الحرج، هل كان من الضروري أن يضع نفسه في هذه الوضعية التي تجعل نائبا من حزب الاستقلال هو مثل السيد عادل بنحمزة، يطرح سؤالا يحرج فيه وزارة الصيد البحري ليصل من خلاله إلى الصيد الثمين الذي يقصده في هذه الظرفية الحساسة؟

بالنسبة إلي، لم يكن أمام وزير الصيد البحري أي خيار آخر بديل غير الذي قام به، فقد قام بجهد مقدر ومشكور من أجل بيان الحقيقة التي بيناها بلباقة وهدوء للسيد عزيز رباح، ونصح وزارة التجهيز من غير أن يطلع أجد على ذلك، لكن الذي وضع نفسه في هذه الورطة هو الوزير نفسه، وهو وحده الذي يتحمل مسؤولية الحرج الذي وقع فيه متيحا بذلك الفرصة لخصومه السياسيين.

لا نشك قيد أنملة في نزاهة السيد عزيز رباح، وفي أن الذي يحركه هو المصلحة الوطنية، لكن أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه مسؤول عن الشأن العام، هو أن يحرم نفسه من فضيلة الإنصات لاسيما من الذين يقدمون له النصح بصدق ولا يريدون من وراء ذلك أي غرض سياسي.
                                                                                                                 السيد: يوسف بنجلون
                                                                                                                 رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية

أضف تعليق