غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
في الأيام الأخيرة الماضية، وقعت حادثتان مفزعتان في البحر، الأولى في مدينة الداخلة التي اصطدم فيها مركب صيد ساحلي مع مركب من أعلي البحار، نتج عنه مقتل أزيد من 20 بحارا، أما الثاني فقد حدث قريبا من ميناء طنجة يوم الثلاثاء الماضي، إذ حصل عطل على مستوى القناة المكلفة بتبريد المحرك، مما أدى إلى تسرب المياه داخل المركب أحد مراكب الصيد الساحلي، ألجأ ربانه إلى محاولة إخراجه لشاطئ سيدي قاسم مما نتج عنه حالة وفاة بحار واحد وإنقاذ الآخرين.
تعليقنا على الحادثين، لا يتوجه إلى جانب المسؤولية، فالتحقيق وحده هو الذي من شأنه أن يكشف للرأي العام عن تفاصيل الحادث الأول، أما الحادث الثاني، فيبدو أن المعطيات واضحة لا تثير أي جدل حولها.
التعليق إنما هو على مشكل كبير أفرزه هذان الحادثان، ولم يكن أحد يجرؤ على طرحه من قبل، وهو ما يتعلق بقضية التأمين في قطاع الصيد البحري.
والواقع أن أرباب المراكب هم وحدهم الذين يكتوون بلظى هذا المشكل، أما الرأي العام، فقصارى ما سيهتم به، هو أن يفهم الأسباب الحقيقية وراء هذه الحوادث، وحجم الضحايا، أما ما عدا ذلك مما هو مرتبط بالتأمين على المراكب، فمشكلة لم تحرص السلطة الرابعة المعنية بالبحث عن الملفات الساخنة أن تكشف الشجرة التي تغطي الغابة في هذا القطاع المالي.
وحتى نضع الرأي العام في الصورة، فإن شركات التأمين المعنية بتأمين مراكب الصيد الساحلي، أوجدت صيغة فريدة في التواطؤ ضد مصالح أرباب مراكب الصيد البحري، إذ على تنوعها اختلافها وتنافسها في مجموعة من القطاعات، توحدت على قطاع الصيد البحري، وشكلت لجنة مشتركة مكونة من ممثلي شركات التأمين المعنية، ووضعت شروطا على المقاس، لا يكاد أحد أرباب المراكب يقوى على مسايرتها، فاشترطت مثلا أن لا يتجاوز عمر المركب خمس سنوات على التأمين الكلي، ووضعت أثمنة خيالية تفوق بل تضاعف كل الأثمنة الجاري بها العمل دوليا، مما يدفع أرباب المراكب إلى عدم التصريح بالقيمة الحقيقية للمركب حتى يكون بإمكانهم التأمين، إذ يؤدون على التأمين نسبة 7 إلى 8 في المائة من القمية المصرح بها للمركب، وهي نسبة خيالية تضاعف ثلاث مرات ما هو معمول به في فرنسا وإسبانيا. ففي هذه الدول، يفتح التأمين- الذي تقوم به تعاضديات مختصة- في وجه المراكب التي تقل أعمارها عن 20 سنة، ولا تتعدى نسبة واجب التأمين 2.5 في المائة من قسمة المركب المصرح بها.
والمفارقة أن القانون المغربي يمنع تأمين المراكب في الخارج مع أن معظم مراكب أعالي البحار أو الصيد الساحلي المملوكة من الشركات المتعددة الجنسية مؤمنة في الخارج.
الخلاصة أننا أمام مشكل مزدوج، الأول يتمثل في وجود احتكار للتأمين في القطاع يتعارض مع قانون المنافسة الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا، ينتج عنه فرض شروط تعجيزية على أرباب بالمراكب الذين لا يجدون من خيار سوى مسايرة هذه الشروط بالتصريح بأقل من قمية المراكب التي يمتلكونها، وهو ما لا يظهر خسارته الكبيرة إلا بعد أن تقع مثل الحوادث التي وقعت في الداخلة وشاطئ سيدي قاسم، وأما المشكل الثاني، فهو عدم وجود مساواة بين الأسطول المغربي وأسطول الشركات المتعددة الجنسية، فالأولى تفرض عليه أثمنة خيالية ويضطر أرباب المراكب إلى التصريح بأقل من قيمة المراكب، والثاني تؤدي المراكب فيه مبالغ معقولة، ويصرح أصحابها بنفس قيمة المراكب.
وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا، فينبغي أن نفترض ونقارن التعويض الذي سيحصل عليه المركبان اللذان اصطدما في مياه الداخلة، الأول الذي تم تأمينه في الخارج، والثاني الذي تم تأمينه في الداخل، بل ينبغي أن نفترض القيمة التي يصرح بها الفقراء من مالكي مراكب الصيد البحري، ونقارن ذلك بحجم الأرباح التي تجنيها شركات التأمين المتحالفة ضدا على قانون المنافسة وضدا على مصالح أرباب مراكب الصيد البحري وبشكل خاص ضدا الفقراء منهم.
ولذلك، اليوم، صار من الضروري أن يفتح – إلى جانب ملف الإنقاذ الذي تحدثنا عنه في مقال سابق- ملف التأمين، والاتجاه بجدية إلى خلق تعاضدية لتأمين أسطول الصيد الساحلي وأعالي البحار في المغرب وفقا لمعايير دولية مع مراعاة قواعد التنافسية.
لا نخفي أننا في غرفة الصيد البحري انشغلنا منذ مدة طويلة بهذا الموضوع، لكن الحادثين المؤلمين الذين وقعا الأيام الأخيرة، أكدا بأنه لم يعد ممكنا البقاء في موقع المتفرج أو في موقع المنشغل بهموم التأمين في القطاع، بل صار من الضروري المرور غلأى الخطوة العملية والتفكير في مقترح مشروع قانون لتأسيس تعاضدية لتأمين أسطول الصيد الساحلي، تساهم فيها الدولة إلى جانب صناديق العصرنة والتأهيل التي نص عليها مخطط أليوتيس وبرامجه المرفقة وكذا شركات التأمين باحترام تام لمقتضيات قانون المنافسة.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية