غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
هناك ضرورة ملحة لفهم بعض أبعاد خطاب الملك محمد السادس الأخير والذي يعتبر بمثابة برنامج إقلاع المغرب للحاق بالدول الصاعدة، فقد أثنى الملك على المشاريع الإصلاحية الهيكلية، وخص بالذكر منها المشاريع القطاعية التي كان لها صدى واسع على المستوى المحلي والدولي، ومنها برنامج المغرب الأخضر، والمغرب الأزرق “أليوتيس” الذي تشرف عليه وزارة الفلاحة والصيد البحريوغيرها من المشاريع الأخرى.
والحقيقة أن الخطاب الذي تضمن ثناء وإشادة خاصة بهذه المشاريع القطاعية، لم يورد هذه الإصلاحات بمنطق الكمال والتمام، أو بمنطق عدم حاجتها إلى ما يرشدها ويقومها ويستدرك جوانب النقص فيها، وإنما تضمن معادلة دقيقة ينبغي الوعي بأبعادها، فقد تحدث عن معالم النضج في المشروع التنموي المغربي، ولكنه في الوقت ذاته تحدث عن الصعوبات والإكراهات، وتحدث عن العبقرية المغربية التي تعوزها الإمكانيات، وتحدث أيضا عن تأهيل الموارد البشرية.
معنى ذلك، أن المشاريع التي استوت اليوم ونضجت مثل برنامجأليوتيس الذي يهم قطاع الصيد البحري هي في أمس الحاجة إلىأن يتم الوعي بالصعوبات التي تعوق تحقيق أهدافها الكاملة، وأن يتم حصر الإكراهات التي تجهل الواقع أقل بكثير من الطموحاتوالانتظارات المعلنة.
لقد سبق لنا أكثر من مرة أن أشدنا ببرنامج “أليوتيس”، ونبهنا على عناصر قوته، وعلى كونه يمثل خارطة طريق نوعية للنهوض بقطاع الصيد البحري، لكن، التنويه بهذا البرنامج والإقرار بعناصر قوته لا يعفينا من ممارسة تمرين قياس واقع الصيد البحري كما هو على الأرض بالطموحات والأهداف المعلنة في هذا البرنامج.
لقد كان الهدف المحوري لهذا البرنامج هو النهوض بالقطاع وتأهيل الموارد البشرية وتشجيع وتوسيع الاستثمار في هذا القطاع وتحديثه، وهي أهداف لم يكن عليها أدنى خلاف، وصدرت من الوزارة جملة قرارات ومشاريع حاولت أن تحين هذه الأهداف وتضعها على القاطرة الحقيقية، لكن، القرار الذي تم اتخاذه في مشروع قانون المالية لسنة 2014 بفرض ضريبة القيمة المضافة على معدات وشباك الصيد البحري بقيمة 20 في المائة جعل الجهود السابقة أشبه ما تكون بصب الماء على رمال قاحلة، فقد أصيب القطاع في مقتل من جراء فرض هذه الضريبة، وضربت الاستثمارات الجدية في العمق، وتم إضعاف قدرتها التنافسية أمام الأسطول الأجنبي المعفي أصلا من الضريبة على القيمة المضافة، وتكبد القطاع أضرارا كبيرة كشفت أرقام ومؤشرات المكتب الوطني للصيد البحري في إحصائيات الأربع الأشهر الأولى من سنة 2014 جانبا مهما منها سواء على مستوى الإنتاجية التي انخفضت إلى 12 في المائة أو على مستوى القيمة التي تراجعت نسبتهابـ 6 في المائة.
خطاب الملك محمد السادس حفظه الله كان في غاية الذكاء إذ ربط نضج المشاريع والبرامج واكتمالها بالوعي بالصعوبات والإكراهاتوتوفير الإمكانات وإعطاء فرصة للعبقرية المغربية لتظهر قدرتها على الإنجاز والتألق، بدل التواكل والارتهان للغة الإشادة والتنويه دون بذل الجهد في بحث خيارات تجاوز الصعوبات وتوفير الإمكانيات المطلوبة.
بلغة الواقع، وحتى ننزل إلى الأرض، برنامج “أليوتيس” يمثل مكسبا كبيرا للقطاع لا ينبغي أن نفرط فيه، لكن رسم صورة مقدسة عنه إلى الدرجة التي تجعل نقده أو التفكير في إصلاح بعضأعطابه أو إتمام بعض جوانب النقص فيه، كل ذلك يسيء إلى هذا البرنامج ويمنعه من الوصول إلى مرحلة نضجه واكتماله.
ما هو ملح اليوم هو أن نركز على روح هذا البرنامج، الذي يجعل محور الإصلاح يرتكز على تحديث القطاع وتشجيع وتوسيع الاستثمار فيه، وتأهيل موارده البشرية، وإعادة النظر في السياسات التي تضرب هذه المرتكزات.
ولذلك، نقدر وبكامل الوعي، أن فرض الضريبة على القيمة المضافة على معدات وشباك الصيد البحري أتى على الأركان الأساسية لبرنامج “أليوتيس” ودق أسافينا مدمية في جثة الصيد البحري المترنحة، وأنه لا نضج ولا اكتمال لهذا البرنامج دون أن يجري تقييم دقيق لمدى انسجام السياسات الضريبة التي اعتمدت في قانون المالية لسنة 2014 مع المحاور الأساسية لهذا البرنامج، وأن يتم إشراك الجميع في هذه العملية، حتى نتمكن من معرفة مكمن الخلل، وهل هو في برنامج أليوتيس أم في بعض السياسات العمومية التي ضربت مرتكزاته في العمق.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية