غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
يمر قطاع الصيد البحري هذه الأيام بمحطة مفصلية ستحدد بشكل حاسم مساره المستقبلي، إذ لأول مرة يتيسر اجتماع لمختلف التشكيلات المهنية لقطاع الصيد البحري بحضور وزير الصيد البحري مع رئيس الحكومة، ويعبر فيه الجميع عن مستويات جد عالية من المسؤولية، ويتم الإقرار بشكل مسؤول بأن النهوض بهذا القطاع، وإنجاح مخطط أليوتيس يحتاج إلى أن يسود بين جميع الأطراف نفس تعاوني تشاركي يقوم على مبدأ الاستماع والحوار والتشاور، وذلك لتنزيل المقتضيات القانونية على أرض الواقع، وفتح المجال لتقويم ما يمكن تقويمه في إطار من الحوار الإيجابي الذي يتغيى ترشيد السياسات وتجويدها لتحقيق أعلى منسوب من النتائج والأهداف المرجوة.
في السابق كما اليوم، ما فتئنا نذكر بقضيتين أساسيتين، الأولى مبدئية تتعلق بموقفنا الإيجابي من هذا المخطط وكونه وضع المحاور الأساسية للنهوض بقطاع الصيد البحري لاسيما ما يتعلق بالديمومة وما تتطلبه من الحفاظ على الثروات البحرية، وحدد الترسانة القانونية التي تضمن تحقيق هذا الهدف، ومضى بعيدا في اشتراط آليات مراقبة طرق الصيد البحري ومدى مطابقتها للقواعد القانونية المتضمنة في الترسانة التشريعية، فيما ترتبط القضية الثانية، بطريقة نقد وتقويم وترشيد وتصحيح تنفيذ المخطط على أرض الواقع، إذ أكدنا أكثر من مرة على ضرورة مواكبة هذا المخطط ورصد ومتابعة آثار تنزيله على أرض الواقع، ومعالجة بعض المخلفات السلبية ضمن إطار من الحوار والتشاور والشراكة المطلوبة بين القطاع الوصي وغرف الصيد البحري والهيئات المهنية.
وتبعا لهذين المبدئين، كانت لنا أكثر من وقفة في قضايا عديدة تتعلق بتنزيل هذا المخطط، غير أن طريقة تعبيرنا في كل هذه المحطات لم تخرج عن سياق التقويم والترشيد والتصحيح، فلم نكن أبدا نميل إلى المواقف العدمية التي لا ترى إلا السواد، وتنتقد كل شيء، ولا تقدم بين يديها أي اقتراح يذكر، بل على العكس من ذلك تماما، فقد كان أسلوب تعاطينا يعتمد الجمع بين بيان بعض الآثار السلبية للتنزيل، وبين القوة الاقتراحية التي كنا دائما نقدر بأن الحوار والتشاور هو المحك الحقيقي لفعالية ونجاعة الأفكار التي نقترح. وقد كانت محطات الحوار الإيجابي بين الوزارة الوصية والمهنيين تمثل فرصة للجميع لتصحيح الرؤية وبذل الوسع لاختيار الأفضل وتجاوز الإشكالات، وتصحيح المسار، وقد شكلت القوة الاقتراحية التي كنا نمثلها دافعا أساسيا بالنسبة للوزارة الوصية لتوسع دائرة الاستماع ، وتفتح المجال للتشاور والشراكة على أوسع نطاق إلى أن بلغ قطاع الصيد البحري إلى هذه النقلة النوعية التي تحققت له.
المشكلة اليوم، لا تكمن في مخطط أليوتيس، ولا حتى في طريقة التنزيل، فالجميع، بما في ذلك الوزارة الوصية ومختلف مهنيي قطاع الصيد البحري يدركون أن المحاور الثلاث التي جاء بها هذا المخطط تقصد بالأساس النهوض بهذا القطاع وتحديثه وعصرنته وإعادة هيكلته وضمان استمراريته وديمومته عبر تعزيز المراقبة وتقنين الراحة البيولوجية، كما أن الجميع يدرك أن أوجه تنزيل المخطط ستبرر الحاجة إلى تقويم بعض مقتضياته وتفاصيله، وأن ذلك لا يمكن أبدا أن يتم إلا من خلال الحوار والتشاور والاستماع.
لا تكمن المشكلة إذن في هذين الأمرين، وإنما المشكلة تكمن في الطريقة التي بدأ بعض المهنيين يلجؤون إليها للدفاع عن مصالحهم الخاصة، إذ برزت في الآونة الأخيرة لغة سلبية غريبة عن القطاع، ترتكز على مقولة النقد من أجل النقد، من غير وجود ما يبرره، ولا تقديم أي بديل أو مقترح يظهر جدية الجهة المنتقدة.
والمشكلة تزداد خطورة حين يتعلق الأمر ببعض المصالح الخاصة التي لا تبرر نفسها ضمن مجموع المصالح العامة.
نعم، لا نجادل في أن من حق المهنيين أن يدافعوا عن مصالحهم الخاصة، لكن ذلك ينبغي أن يكون ضمن المصلحة العامة، وليس ضدها، كما أن النقد ينبغي أن يكون مصحوبا بالقوة الاقتراحية ومشفوعا بطلب الحوار، لأن الغاية الأولى والأخيرة هي التوصل إلى أفضل الخيارات للنهوض بهذا القطاع، وتحقيق مصالح المهنيين العاملين به.
للأسف الشديد، في قطاع الصيد الساحلي، ثمة عوائق بنيوية تؤخر الوعي بأهمية هذا المسار الإيجابي في التعامل مع القوانين والسياسات العمومية المؤطرة للقطاع، فجزء مهم من قطاع الصيد الساحلي لا يزال محكوما بمنطق عائلي، ولم يتحول بعد إلى شركات مستقلة تدير أمورها بعقلانية وتقيم عائداتها ومردوديتها بمعايير رقمية موضوعية، مما يرهن حاضرها مستقبلها ويمنعه من التطور، فينعكس ذلك على شكل تفاعل بعض أرباب هذا القطاع مع القوانين والسياسات العمومية.
لهذا، وجب التنبيه إلى أن العدمية، ومنطق الصراع الدانكشوتي لن يأتي بأي خير للقطاع، وأن فريضة الوقت تتطلب قدرا كبيرا من المسؤولية في القول والفعل، كما تستلزم أن يشفع النقد ويصحب بالقوة الاقتراحية المقنعة، وأن يتم الابتعاد ما أمكن عن لغة المغالبة والعدمية والنقد من أجل النقد.
أمامنا فرصة جد ثمينة لا ينبغي أن نضيعها، فقد نضجت شروط وحدة الرؤية والمبادرة لدى الجسم المهني، وتم تحقيق مكتسبات مهمة بهذا النفس، ليس أقلها تخفيض الضريبة على القيمة المضافة إلى النصف، مع بقاء الفرصة مفتوحة لتدارك الحيف المتبقي بسبب عدم وجود أي صيغة لاسترجاع عشرة في المائة من الضريبة على القيمة المفروضة على القطاع، كما تحققت مكاسب أخرى جد مهمة بفضيلة الحوار والتشاور والشراكة، فليحذر الذين يجرون وراء مصالحهم الخاصة خارج المصلحة العامة من أن يعكروا هذه الأجواء، ويمنعوا النقلة النوعية التي تحققت في القطاع من أن تكمل مسارها إلى المنتهى المأمول.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية