غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
نحتاج أن نقوم بتقييم علمي للسنتين الماضيتين اللتين عرفتا تطبيق الضريبة على القيمة المضافة على أدوات الصيد البحري ب 20 في المائة السنة الماضية، و 10 في المائة السنة الحالية، فهذه في تقديرنا كافية لقياس الأثر الذي تحدثه هذه الضريبة على القطاع.
لا نريد أن نجتر ما سبق وذكرناه في أكثر من مناسبة حول القواعد القانونية والمسطرية التي تحيط بقضية الضريبة على القيمة المضافة، وكونها تقوم على مبدأين أساسيين هما الحيادية والاسترجاع، فقد سبق أن أكدنا في أكثر من مناسبة، وبالتحديد داخل المؤسسة التشريعية، وفي لقاءات حوارية مع المسؤولين الحكوميين والمسؤولين في الإدارة المالية أن الأصل في هذه الضريبة أن يدفعها المستهلك الذي تنتهي إليه سلسلة الإنتاج، أما العامل في القطاع – المنتج – فهو لا يقوم بأكثر من دور الوسيط بين الدولة والمستهلك، حيث تكفل له الدولة حق استرجاع هذه الضريبة بحكم أن الذي يدفعها للدولة هو المستهلك، وذكرنا بأن ثمة مشكلة حقيقية في حالة آليات الصيد البحري، ذلك أن مبدأي الحيادية ومعيار الاسترجاع يفقدان بالكامل في هذه العملية، بحكم أن بيع الأسماك معفى من الضريبة على القيمة المضافة مما يعني أن تقريرها وتطبيقها على أدوات الصيد البحري يجعلها تصير أشبه بضريبة على الدخل تتحمل ضمن كلفة الإنتاج دون أن يضمن العامل في قطاع الصيد البحري حق استرجاعها من الدولة.
اليوم، لا نريد أن نعيد نفس المرافعة القانونية لتقدرينا أن الجهات المعنية تفهم ذلك أكثر منا، وأن هاجس عدم المس بالموازنة المالية العامة يجعلها تتغافل تماما هذه المقتضيات المعروفة اليوم، سنلجأ إلى منطق أخرى، تؤسس له هذه الحكومة وتسعى إلى تحقيقه وتنتقد الحكومات السابقة بسبب عدم قدرتها على الارتقاء إلى مستواه. سنتحدث عن الضريبة على القيمة المضافة من زاوية استراتيجية التقائية المشاريع.
فكلنا يعلم أن المغرب يتوفر على استراتيجية طموحة في الصيد البحري هي مخطط اليوتيس، ولكلنا يعلن أن هذا المشروع الضخم يقوم على فكرة التحديث والعصرنة وتأهيل مراكب الصيد البحري لتكون في مستوى النهوض بالقطاع. أي أن المشروع يقوم في جزء منه على فكرة الدعم والتأهيل من أجل العصرنة، وفي هذا الإطار اندرج برنامج إبحار بنسخه الثلاثة.
ملخص الكلام أن الوزارة الوصية التي تعرف مشاكل القطاع، وتعرف بالتدقيق خصوصيته، مقتنعة تماما أن النهوض بهذا القطاع لا يمكن أن يتم من غير دعمه وتأهيله من أجل النهوض به والارتقاء بإنتاجيته وأيضا من أجل أن يقطهع خطوات جد متقدمة في العصرنة، فلا زال هذا القطاع في مشهده العام الغالب غير مهيكل، ولذلك أقرت الوزارة ترسانة من القوانين والتشريعات والقرارات المتدرجة لمضي بالقطاع بشكل تدريجي في هذا المسار.
لا يهمنا اليوم تقييم هذا المسار، لكن ما يهمنا هو أن نؤكد بأن الحكومة، من خلال قانون المالية 2016، والذي أقر لمرة ثانية نسبة 10 في المائة على الضريبة على القيمة المضافة على آليات الصيد، تسير في الاتجاه المعاكس لمخطط أليوتيس، فما يمكن أن يقدمه هذا المخطط للمهنيين باليد اليمنى، تأخذه الحكومة، بل تأخذ أكثر منه باليد اليسرى علما أن المنتج لا يملك استرداد هذه الضريبة ولا زيادة الكلفة في سعر السمك لأن الأسماك في كل بلاد العالم تقريبا معفاة من الضريبة على القيمة المضافة بحكم أنها تعتبر من الثروات البحرية الوطنية.
ولذلك كان من نتيجة هذا الاضطراب وعدم التناغم في السياسة الحكومية وضربها لمبدأ الالتقائية أن جعلت القطاع يعيس تذبذبات غير مفهومة، فما يكاد يقوم على قدميه حتى يعود مرة أخرى للسقوط بسبب ثقل هذه الضريبة.
الأرقام أمامنا ناطقة، وما على الحكومة سوى أن تستنطقها، وأن تقارن بين ثلاث سنوات، على الأقل، السنة التي كان القطاع معفى بشكل كامل من الضريبة على القيمة المضافة، والسنة التي تم فرض 20 في المائة من الضريبة على القيمة المضافة على معدات وآليات الصيد البحري، والسنة الجارية التي تم تخفيض الضريبة على القيمة المضافة إلى النصف.
إن النتيجة الطبيعية التي سنخلص إليها بعد الانتهاء من هذا التمرين هو أن تكليف العاملين بقطاع الصيد البحري بدفع ضريبة 10 في المائة عن أدوات الصيد البحري دون ضمان حق الاسترجاع يمثل في حد ذاته زيادة مرهقة في ضريبة الدخل إنتاج تصل في بعض الأحيان إلى معادلة نسبة الأرباح نفسها، لاسيما وأن أدوات الصيد تمثل في بعض الأحيان 40 في المائة من كلفة الإنتاج، ففرض هذه الضريبة يقلص هامش الربح بشكل كبير لاسيما وأن قطاع الصيد البحري لحد الآن لم يعرف طفرة دالة في مجال الإنتاج، بل إنه يعرف تراجعا ملحوظا في بعض المناطق مثل المناطق التي تدخل ضمن تراب الغرفة المتوسطية للصيد البحري.
فإذا أضفنا إلى ذلك قضية التنافسية، وكون الأساطيل الأجنبية التي تعمل في القطاع وتصطاد في المغرب بنفس الشروط التي يصطاد بها الأسطول المغربي معفية كلها من هذه الضريبة، فإن النتيجة المنطقية لكل ذلك هو ضرب القدرة التنافسية للمقاولة المغربية العاملة في قطاع الصيد البحري وتهديد سوق العمالة والإضرار بالقدرة التصديرية المغربية لهذه المنتجات.
ثمة أكثر من منطق للتأكيد على أن الحكومة أخطأت مرة أخرى في مقاربتها لهذا الملف، وكونها لم تستمع بشكل جيد للمهنيين في هذه القضية. المشكلة أن خطأها سيكون له أثر كبير على ثمرات ونتائج أليوتيس من جهة، وعلى الأهداف الكبرى الطموحة التي وضعها، وسيكون الأثر سلبيا للغاية على القطاع، وستدرك الحكومة بعد حين، أن الإضرار بالقطاعات الإنتاجية، وإضعاف بعض القدرات التصديرية يماثل أو ربما يفوق المس باستقرار الموارد العامة للدولة المالية العامة، وأن ألأمر لا يتطلب أكثر من عملية حسابية يتم فيها قياس عائدات الإنتاج في حالة الدعم والتأهيل والإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة والعملة الصعبة المحصلة من جراء التصدير، ومقارنتها بالعائدات المحصلة على قطاع يفقد قدرته تدريجيا على الإنتاج وعلى المنافسة.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية