غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
معرض « أليوتيس » في دورته الثالثة سمح بتسجيل ملاحظتين اثنتين مختلفتين، لكنهما تلتقيان عند قاسم مشترك واحد، فهذا الملتقى هذه السنة، شكل نقطة وصل بين الشمال والجنوب، بحيث سجل قطاع الصيد البحري بدوره حضوره كقطاع وازن في العلاقات المغربية الإفريقية، وذلك من خلال حضور وفد إفريقي وازن لهذا الملتقى، ليزيد التأكيد على رهان المغرب الاستراتيجي على العمق الإفريقي، وعلى جاهزية المغرب لتقديم خبراته التي راكمها خلال السنوات الماضية في هذا القطاع، ولاسيما العقد الأخير.
ومن جهة ثانية، شكل هذا الملتقى على امتداد الدورات الثلاثة السابقة محطة للقاء المكونات الفاعلة والمشكلة لهذا القطاع، والتي تضم القرار السياسي ممثلا في الوزارة الوصية، والإدارة التي تضطلع بدور تطبيق ومتابعة السياسات العمومية المقررة، والمهنيين الفاعلين في القطاع.
ملقنى أليوتيس إذن، شكل نقطة وصل بين الشمال والجنوب من جهة، ونقطة وصل بين المكونات المركبة للقطاع من جهة ثانية.
بيد أن الملاحظة التي ينبغي تسجيلها في هذا الصدد، وهي تعكس قي جانب منها مفارقة تستلزم المعالجة الفورية، هو أن قوة القطاع لا تكمن فقط في انفتاحه الخارجي، وهو شيء مطلوب واستراتيجي، ولكن تتطلب أيضا ومن باب أولى، انفتاحا داخليا وتجسيدا فعليا للقاء المهنيين بالإدارة بحيث يظهر التعدد على كافة المستويات، ومنها على وجه الخصوص التعبير الإعلامي، فليس من مصلحة القطاع أن يسود نوع من الاحتكار لهذا التعبير، ويصير صوت الإدارة هو الصوت الوحيد المحتكر للفضاء، وتغيب أصوات المهنيين الذي يعتبرون الفاعل الأساسي في الميدان.
لا نحتاج في هذا الخصوص أن نعيد التذكير أن المشكلة ليست في القطاع الوصي، الذي قدم مخططا استراتيجيا نوعيا جمعت محاوره الثلاث مختلف الطيف في القطاع، ولا نختلف أيضا أن القطاع خلال السنوات القليلة الماض ية عرف زخما تشريعيا مهما كان له أثره الفعال في النهوض بالقطاع وتحديثه وعصرنته، وهذه كلها جهود تحسب للقرار السياسي المؤطر للسياسة العمومية في القطاع، لكن في المقابل، لا بد أن نشير إلى أن هذا المخطط الذي يتنزل على واقع الأرض يتطلب إدارة تمتلك القدرة على المواكبة والمصاحبة وفهم الإشكالات المستعصية، وتمتلك رؤية واضحة تترجم الشراكة مع المهنيين في صناعة الحلول، وتعكس التعدد الذي يعرفه هذا القطاع، وهو ما نتطلع أن يستوعب المكتب الوطني للصيد البحري بعض أبعاده.
ولذلك، نستطيع أن نقول وبكل وضوح، بأن مشكلة القطاع ليست في القرار السياسي، ولا حتى في السياسية العمومية التي تنبثق من نص وروح مخطط أليوتيس، ولكنها تكمن في مستوى مصاحبة المكتب الوطني للصيد البحري لهذه السياسيات العمومية، ومستوى حضور المهنيين في ترشيد وتصويب القرارات المواكبة للسياسات العمومية.
لقد أكدنا أكثر من مرة، بأن قوة القطاع هي في تعدد مكوناته المهنية، وأكدنا أيضا بأن الخبرة التي يمتلكها هذا الجسم المتعدد لا ينبغي أن يستعاض عنها بـ « خبرة مكتبية » تملأ الفضاء بصوت واحد، كما ولو كان القطاع كله هو صدى لصوت المكتب الوطني للصيد البحري.
للأسف، لقد تابعنا خلال تغطية فعاليات ملتقى أليوتيس في هذه الدورة، بقدر من التحسر، هذه الهيمنة وهذا الاحتكار، بحيث ساد شعور بأن الجهة المنظمة للملتقى – المكتب الوطني للصيد البحري- لم تكن تريد أن تسمع الرأي العام إلا صوتا واحدا، وأن التشكيلات المهنية المتعددة التي حضرت بقوة لهذا الملتقى لم يكن هذا المكتب يريد منها أكثر من تأثيث للفضاء لا أقل ولا أكثر.
والمشكلة، أن هذه الرؤية الاحتكارية، لا تنعكس فقط على مستوى التعبير الإعلامي، وإنما تظهر على مستويات أخرى، سواء في طريقة المواكبة للسياسات العمومية، أو في طريقة إدارة العلاقات مع القطاع الوصي، أو على مستوى إشراك المهنيين في التدبير اليومي للمشكلات.
والملفت للانتباه أن هذه النزعة الاحتكارية، أو قل للدقة التبخيسية للمهنيين، ظهرت حتى على مستوى التنظيم، إذ لم يحرص المكتب الوطني للصيد البحري بصفته جهة منظمة حتى على وضع أرقام للأورقة التي شاركت في الملتقى.
لا نريد للبوصلة أن تضطرب مرة أخرى، فمخطط أليوتيس بالنسبة للقطاع يمثل فرصة ثمينة للنهوض به وتحقيق الإقلاع، بحكم أن مربط فرسه ومدار رحاه على الاستدامة، لكن المواكبة لهذا المخطط وتقييمه وتثمينه واستدراك جوانب نقصه التي تظهرها الممارسة على الأرض، تتطلب أن تحصل الالتقائية الإيجابية بين الإدارة والمهنيين، لأن هذه الالتقائية هي التي توفر الشرط الضروري لقوة القرار السياسي وتضمن التعبئة الداخلية لإنجاحه على واقع الأرض.
إن مهمة المكتب الوطني للصيد البحري تتمثل في أن تلعب دور صلة الوصل بين الإدارة من جهة والمهنيين من جهة ثانية، والناقل الأمين لمخرجات هذه العلاقة للجهة الوصية، وحالما يصير هذا المكتب إلى حاجب ينقل وجهة نظر واحدة ويصادر صوت المهنيين فإن مستقبل القطاع لن يكون بخير.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية