غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
قد يكون اجتماع مهنيي الصيد البحري لمناقشة قضية من القضايا التي تهم تهيئة نوع من المصايد أمرا عاديا بحكم أن مثل هذه القضايا تستدعي أن يكون للمهنيين وجهة نظرهم، وأن تكون مسموعة ومؤثرة في اتخاذ القرار الذي يهم القطاع، لكن في حالة الملتقى الذي نظم في مدينة طنجة لتهيئة مصايد الأربيان، فالأمر خرج عن إطار الروتين العادي إلى ما يمكن اعتباره لقاءا استثنائيا، بل ربما تاريخيا، وذلك لاعتبارات ثلاثة جد مهمة:
– الأول: وهو يخص طبيعة الحضور، فلأول مرة تلتئم جميع المكونات التي لم تكن في العادة تجتمع على طاولة واحدة، إذ جمع الملتقى الغرف الأربع للصيد البحري، بالإضافة إلى الكنفدرالتين المغربية والوطنية وجامعة الغرف وبقية الفدراليات التي تشتغل في القطاع بالإضافة إلى ربابنة المراكب، أي أن الملتقى جمع مختلف الطيف الممثل للمهنيين، وهو إنجاز غير مسبوق، إذ مجرد تحقيق هذا الحضور يمثل في حد ذاته إنجازا لم يشهده قطاع الصيد البحري لسنوات طويلة.
– الثاني: وهو يخص الفكرة المؤطرة للاجتماع، إذ لم يعد المنطق السائد هو جمع المهنيين لمباركة قرار الإدارة، أو جمعهم لممارسة الضغط على الإدارة للعدول عن قرار معين يضر بمصالح القطاع، وإنما تشكل منطق جديد لدى المهنيين يقوم على مبدأ التشارك، فمصلحة القطاع صارت تقتضي التشارك في صناعة القرار وترسيخ تقاليد الحوار بين المهنيين والإدارة للتوصل لأفضل الخيارات لتنظيم القطاع والنهوض به. وهذا بالتحديد هو الذي جعل المهنيين بمختلف أطيافهم يجتمعون في طنجة، لمناقشة مقترحات الإدارة بشأن الراحة البيولوجية للأربيان ومحاولة إعداد مقترحات أخرى يمكن للحوار مع الإدارة أن ينتج تركيبا يعود بالمصلحة على القطاع برمته.
– الثالث: ويخص الرؤية التي صار المهنيون يتحدثون من خلفيتها، فقد صار المهنيون أكثر اقتناعا بفكرة الاستدامة في هذا القطاع، وما يتطلبه من الانضباط للراحة البيولوجية، كما لم يعد هناك داخل القطاع من يرفض فكرة أن الحسم والصوت الأول والأخير في قضية الراحة البيولوجية يكون للعلم ولا شيء غير معطيات العلم، ولذلك، فقد ظهرت في هذا الاجتماع ثلاثة محددات أساسية تميز القوة الاقتراحية للمهنيين: الأول يتمثل في الانطلاق من نتائج البحث العلمي في تحديد عوامل التوالد والتكاثر وحركية الأربيان، والثاني يتمثل في الدفاع عن مصالح المهنيين، والثالث يتمثل في إبداع مقترح عملي وقابل للتطبيق. أي بعبارة بسيطة، كان الملتقى فرصة للمهنيين لتكوين مقترح متوازن لا يجادل في فكرة الراحة البيولوجية، بقدر ما يطرح أفضل الخيارات لتطبيقها والالتزام بها مع الحفاظ على مصالح المهنيين.
لقد كان التمرين في البدء صعبا، لكن تأكد من خلال النقاش الهادئ والمسؤول أن هناك إمكانية مهمة لقوة اقتراحية وازنة تضمن المحددات الثلاثة، وتعين الإدارة على الخروج من وضعية إنتاج اقتراحات غير قابلة للتطبيق، أو اقتراحات تنتهي بالالتفاف عليها، أو اقتراحات تعرض شريحة واسعة من المهنيين لأضرار بالغة غير مقدور على تحملها.
المهم في هذا الملتقى أن الجميع أدرك أن خلفيات اقتراحات الإدارة لم تكن بالضرورة قائمة على الإضرار بطرف دون طرف، وأدرك أيضا أن دافعها كان هو الحفاظ على الثروة السمكية، لكن، الأهم من ذلك كله، هو الجدية والفاعلية التي أبداها المهنيون لإنتاج مقترحات تنطلق من في الخلفيات التي تحكم مقترحات الإدارة لكن بصورة أفضل.
لقد كان من الممتع في اللقاء أن يستمع الجميع إلى خبرة ربابنة المراكب “الرياس” وأن تتقاسم ثلاث وجهات نظر داخل المهنيين: وجهة نظر أرباب المراكب، ووجهة نظر التجار في القطاع، ووجهة نظر الرياس، إذ على الرغم من الاختلاف في المواقع، كان الخلاف هامشيا ومحدودا، مما يعني أن كلمة المهنيين بمختلف أطيافهم كانت واحدة، وهو ما شجع في الأخير على الانتهاء إلى مقترحات متقاربة لا نتوءات فيها.
بكلمة مختصرة، لقد شكل الملتقى مبادرة كبيرة مشجعة، وهي رسالة جد دالة، تفيد بأن وحدة مهنيي القطاع تعني دعم القوة الاقتراحية التي ما من شك ستكون معينة للإدارة للاستمرار في اعتماد المقاربة التشاركية لتسريع وتيرة النهوض بالقطاع وتحدثيه.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية