حوار أجرته جريدة لاكرونيك مع السيد يوسف بنجلون رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية.

img10122015

– بداية نهنئكم بقرار قاضي التحقيق حول إسقاط المتابعة القضائية في حقكم في قضية “الفساد الانتخابي”، كيف تعاملتم مع هذا الملف منذ لحظة نشر إسمكم ضمن لائحة المستشارين المعنيين بالمتابعة القضائية؟

أولا نود أن نؤكد بأن إسقاط المتابعة من طرف قاضي التحقيق تم منذ أول وهلة، إذ تأكد قاضي التحقيق أن المكالمات الهاتفية التي تم الاستناد إليها لتسويغ المتابعة في حقي لا تتضمن أي دليل أو قرينة يمكن البناء عليها لتكييف الاتهام، وأن قرار الإسقاط النهائي للمتابعة الذي تم تبليغه في مقتبل هذا الأسبوع، فقد جاء عقب استئناف النيابة العامة، فتم تأكيد قرار عدم المتابعة لنفس الحيثيات السابقة.

وبالنسبة إلي، فقد تعاملت، منذ أن ذكر اسمي ضمن لائحة المستشارين المعنيين بالمتابعة، بشكل عاد، بحكم أني أولا، كنت ولا أزال على ثقة بأن المنسوب إلي من تهم باطل من أساسه، لأن المكالمات الهاتفية التي تم الاستناد إليها صريحة في كوني صرحت باستحالة أن أقبل أي مساومة في موضوع التصويت لفائدتي، وأني أحظى بثقة المهنيين، وأن العدد المطلوب لضمان فوزي بالمقعد قد أمنته، وأني في غنى عن إضافة أصوات جديدة، اللهم إن كان الشخص الذي يريد التصويت علي يريد الانضمام إلى فريق العمل الذي نشتغل فيه ويقتنع بالبرنامج الذي نطرحه وندافع عنه.

وحتى نضع الأمور في نصابها، فالجميع يعلم خصوصية الانتخابات المهنية، فالقطاع تتضارب فيه مصالح ولوبيات، وطبيعة العلاقات التي تحكم المهنيين لا تنشأ بفعل العملية الانتخابية ذات الطبيعة الموسمية، وإنما تنشئها المصالح الدائمة التي تترتب منذ سنوات طويلة، فالذي يطمع في الصيد البحري أو أي قطاع مهني أن يفوز بمعقد في الانتخابات لا يمكن أن ينتظر الحملة الانتخابية لينشئ شبكة علاقاته التي ستضمن له الفوز بالمقعد، وإنما تحتم عليه طبيعة المهنة التي يمارسها، والمصالح التي يرعاها أن تنشأ لوبيات موالية وأخرى مضادة هي ما يعكس دينامية العملية الانتخابية في القطاع، وهذا بالتحديد ما أخبرت به قاضي التحقيق.

ولذلك، فقد كنت واثقا، في ظل غياب أي مستند في الملف، من أن فهم طبيعة القطاع وخصوصيته، سيقود بسرعة إلى إسقاط المتابعة، لكني لا أخفي عنكم بأن الطريقة التي تم فيها الإعلان عن الأسماء مقرونة بتهمة الفساد الانتخابي من غير احترام لقرينة البراءة قد أساءت إلى صورة المغرب وصورة منظومة العدالة التي نحن بصدد إصلاحها، هذا قبل أن تكون ساهمت في الإساءة لشخصي.

– وعلاقة بالسؤال الأول، من بين العناوين العريضة التي نشرتها الصحافة: العدالة والتنمية يعلق عضوية يوسف بنجلون المتهم بـ “الفساد الانتخابي”، ما مدى تأثير هذا الموضوع على علاقتكم بقيادة الحزب المركزية والمحلية؟

دعني أقول لكم، أنه لحظة ذكر اسمي ضمن لائحة المستشارين المعنيين بالمتابعة في هذا الملف، انتظرت أن يتم الاتصال بي من قبل قيادة الحزب مركزيا ومحليا للاستفسار عن طبيعة الملف ومعرفة وجهة نظري في الموضوع، لكن للأسف شيء من ذلك لم يحصل، وهو ما اعتبرته إخلالا من طرف قيادة الحزب بحقوق المنتمي إليه، إذ يضمن لي القانون الأساسي للحزب أن توفر لي قيادة الحزب الحماية وحق الدفاع في حال ما إذا تأكد لديهم من طرفي بأن اسمي أثير في الملف ظلما أو تعسفا أو خطأ ، وهذا بالفعل ما قامت به قيادة الحزب في حق بلكورة رئيس المجلس البلدي في مكناس الذي حظي بكل الدعم، وتم إرسال لجنة من قيادة الحزب للقائه والاستفسار في شأنه، وظل بلكورة يحظى بمؤازرة الحزب إلى أن أثبت القضاء مؤخرا براءته، بل إن قيادة الحزب ولأسباب سياسية تتعلق بمواجهة الاستهدافات، رافعت سياسيا وبكل قوة للدفاع عن جامع المعتصم، ثم بعد ذلك عبد العلي حامي الدين، ولم تستعمل في حقهما أي مسطرة كالتي استعملت ضدي وضد زميلي في الفريق زاتني، مما جعلني ألاحظ ازدواجية أو مفارقة لا أعرف الآن أي معايير تم الاستناد إليها لتكييف هذه الحالة بهذا الشكل، وتلك الحالة بالشكل المقابل، علما أن القانون الأساسي للحزب واحد، والقيادة واحدة، وأن الجميع تم استفساره عن حالته إلا حالة يوسف بن جلون.

نعم، سمعت من قيادة الحزب عبر الإعلام أن الأمر يتعلق بمسطرة احترازية، لكن، إلى الآن، لا أفهم المعايير التي تجعل هذه المسطرة تشتغل في هذه الحالة، وتتعطل في الحالة الأخرى. وعلى العموم، فقد قال القضاء كلمته، والرمزية الأخلاقية تقتضي من قيادة الحزب أن يقدم اعتذاره بعد أن كان طرفا في الإضرار بسمعتنا في الوقت الذي كان يطلب منه أن يقدم لنا الدعم المطلوب. اليوم، القضاء أنصفنا، ورد الاعتبار لنا، ولم نعد نحتاج لسلطة أخرى غير القضاء لتقوم بهذا الواجب.

– وهل يمكن أن تعتبره سببا مباشرا في إعلانكم الانفصال عن حزب المصباح، أم كانت لكم مؤاخذات أخرى على طريقة تدبير شؤون الحزب؟

لم يسبق لي أن عبرت عن انتقادات لطريقة تدبير الحزب، فطبيعتي تخصصي كمهني في قطاع الصيد البحري، كيفت موقعي ودوري ووظيفتي في الحزب، وبحكم أن الحزب لا يملك نفوذا سابقا في قطاع الصيد البحري، فقد كان أداء الحزب في هذا القطاع في الغالب ما يتم عبر نافذة مهنية، وهو ما جعلني اشعر بأريحية تامة في العمل، وكان التفاعل من قبل قيادات الحزب ووزرائه في الحكومة إيجابيا في العموم، ولذلك، لم أدخل في أي احتكاكات مع قيادات الحزب سواء على المستوى المحلي أو المركزي.

وبالمناسبة، فتصريحي بعدم وجود أي علاقة بيني وبين حزب العدالة والتنمية كان في جوهره توصيفا للحالة أكثر منه إعلانا للاستقالة، فيعلم الجميع أني لم أعلن استقالتي من حزب العدالة والتنمية، وأني تحدثت وقتها عن حالتي التنظيمية بعد قرار تعليق عضويتي، إذ الوصف الذي يمكن تكييف حالتي التنظيمية بعد قرار هو عدم وجود أي علاقة بيني وبين حزب العدالة والتنمية. فالمشكلة لم تكن بيد يوسف بن جلون لأني لم أبادر بإعلان استقالتي، بقدر ما كانت في ملعب قيادة الحزب التي اختارت أن تعلق عضويتي دون أن تذهب إلى المدى الأقصى وهو إقالتي من الحزب.

– نبقى في علاقات بن جلون الحزبية، فقد سبق أن أدليتم بتصريح لجريدة بيان اليوم، تعلنون فيه التحاقكم بفريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين، وقلتم أن هذا القرار رتبته مجموعة من الأسباب ستشرحها في وقت لاحق، أم لم يحن الوقت بعد لشرح دوافع انضمامكم لحزب التقدم والاشتراكية؟

لم يسبق لي أن أدليت بهذا التصريح، فكل تصريحاتي عقب تعليق عضويتي كانت تتحدث عن وصف قرار تعليق العضوية بانتهاء علاقتي بالعدالة والتنمية لأنه الحزب هو الذي اختار ذلك بقراره غير المبرر، دون أن أصرح بأني قدمت استقالة منه، ولحد الآن أنا أنتسب لفريق العدالة والتنمية، ووضعيتي التنظيمية لم يطرأ عليها أي تغيير بعد قرار تعليق العضوية. أي أنني الآن معني بالانتماء للفريق، ووضعيتي التنظيمية داخل الحزب تؤكد عدم وجود علاقة بيني وبينه.

– هل فرض على بن جلون عدم تقديم ترشيحه للانتخابات الجماعية، أم كان هذا اختياركم بالاكتفاء بالمشاركة في الانتخابات المهنية؟، خاصة وأن اسم بن جلون كان عقب استحقاقات 2009 مطروحا للتنافس على منصب عمدة المدينة، كما كانت لكم تجربة رئاسة مجلس مقاطعة المدينة سرعان ما انتهت بالاستقالة؟

لست أدري إلى أي حد يمكن للصحافة أن تصدق بأن يوسف بنجلون كان يعتزم مغادرة قطار الانتخابات برمته، ومنها الانتخابات المهنية، فما بالك بالانتخابات الجماعية التي حصلت لنا القناعة مع تقديم الاستقالة من مقاطعة المدينة بأنه يتعذر في ظل الشروط القائمة بالنسبة لبنجلون العودة إليها. لكن، على كل حال، صدق الإعلام أو لم يصدق، فأنا أتحدث عن قناعتي، وإذا كانت مشاركتي الحالية في الانتخابات المهنية تأتي على نقيض هذه القناعة، فلأن الأمر يتعلق بالضغوط اللي مارسها علي المهنيون للنزول مرة أخرى إلى هذا الغمار، وأظن أنه طال الزمن أو قصر، فإن القناعة التي تسكنني باتت تكبر، وربما تستيقظ الصحافة يوما على إيقاع عدم ترشح بن جلون في الاستحقاقات القادمة.

– بصفتكم رئيس للغرفة المتوسطية للصيد البحري، هل تعتقد أن أوضاع هذا القطاع تتحسن وترقى لما يطمح له المهنيين في ظل المشاكل التي يتخبط فيها هذا المرفق الحيوي، خاصة على مستوى الصيد التقليدي والساحلي؟

طبيعة قطاع الصيد البحري جد معقدة، وهي مشحونة بالمستجدات اليومية، والاحتكاك الروتيني بالإدارة، ولذلك ما فتئت أذكر في كل تصريح إعلامي بضرورة التمييز في القطاع بين مستويات متعددة، مستوى الرؤية والاستراتيجية، ومستوى التدبير والمتابعة الإدارية. ما نعانيه اليوم لا يرجع إلى الشق الأول، الذي نفتخر بأن المغرب قطع فيه أشواطا مهمة مع الحاجة الدائمة والمستمرة للتقويم والاستدراك وتصحيح الأخطاء، وإنما يرجع بدرجة أولى إلى الماكينة الإدارية، أو ما أسميته بالبيروقراطية الإدارية التي تقتل روح المخطط الأزرق، وكل الثمرات الإيجابية التي جاء بها.

ولذلك، دائما كنت أوجه كلمتي وبكل قوة إلى المسؤولين على القطاع إلى ضرورة أن ترقى الإدارة إلى مستوى الرؤية الاستراتيجية، ولا تتحول إلى عائق قاتل للقطاع، يحول دون تحقيق أهدافه المركزية.

– سبق أن اتهمتم الوزير أخنوش في تصريحات صحفية، بأنه لا يريد أن يفتح الحوار ويختار سياسة التجاهل، حول تقييم استراتيجية “أليوتيس”، واعتبرتم المخطط الأزرق ليس وحيا مقدسا، ثم بعد ذلك وخلال كلمتكم الأخيرة بمجلس المستشارين حول قطاعي الفلاحة والصيد البحري تحدثتم عن الإنجازات التي قام بها الوزير لدرجة المبالغة في الثناء عليه كما لاحظ البعض؟

طبيعة القطاع تقتضي التكيف مع المواقف والمستجدات، ففي فترة من الفترات التي اشتدت فيها المشاكل في القطاع كانت المرحلة تقتضي قدرا من التصعيد للدفاع عن مصالح المهنيين، وإذا تغيرت الظروف، مثلما هي اليوم، فالحاجة إلى ممارسة الضغط والتصعيد تصير غير مجدية، فأنا في النهاية ممثل للمهنيين، ولي مسؤولية أخلاقية وسياسية للدفاع عنهم، والضغط أو التصعيد ليس هدفا في حد ذاته، بل الهدف هو النزول إلى طاولة الحوار، وهو ما حققه وزير الصيد البحري عزيز أخنوش بكل اقتدار.

مشكلة السياسة في المغرب أن هناك من يريد دائما أن يمارس لعبة قلب الطاولة حتى وإن كان المسؤولون يفتحون الأبواب ويتحلون بفضيلة الاستماع والتجاوب مع المطالب المعقولة.

أعذرني، أنا لست من طينة أولئك الذين يطبعون مسيرتهم السياسية بهذه السمة، أنا أمثل المهنيين، وسأبقى ما دمت في هذه المسؤولية طالب حوار، وإذا تطلب الأمر أن أصعد فسأفعل، وإذا رأيت من القطاع الوصي تجاوبا ومسارعة لتحقيق مصالح المهنيين فسأقولها بكل صراحة ولا يضرني أن يقال بنجلون يبدل جلده. وهذا بالفعل ما قلته في حق الوزير عزيز أخنوش في كلمتي في اللجنة بمجلس المستشارين.

– كثيرا ما يتحدث أهل القطاع عن أهمية المقاربة الشمولية والتشاركية، فماذا يشكل إليكم البحث العلمي في قطاع الصيد البحري، كيف تواجهون ظاهرة استعمال البارود والمفرقعات في الصيد في البحر الأبيض المتوسط؟

وضعية البحث العلمي في قطاع الصيد البحري تحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة، وإلى دعم وتأهيل وتقوية وإسناد، فثمة قرارات كبيرة تستند إلى معطيات البحث العلمي مثل الراحة البيولولوجية وتهيئة المصايد واستخراج رما البحار تحتاج إلى دراسات علمية موثوق بها، لكن إلى اليوم الإمكانات التي يتوفر عليها المعهد الوطني للبحث العلمي ضعيفة ومحدودة هذا في الوقت الذي يتم الاستناد إلى معطياته في مثل هذه القرارات. وبالمناسبة فقد عقدنا مؤخرا ملتقى وطني في طنجة لمناقشة تهيئة مصايد الأربيان، وتبين لنا في دراسة مقترح الوزارة أن الحاجة تتأكد لتقوية البحث العلمي وتأهيله حتى يكون في مستوى مسايرة ومواكبة حاجيات القطاع.

المقاربة التشاركية باتت ضرورية ولازمة، سواء على مستوى مواجهة مشكلة البارود الذي يستعمل في الصيد في البحر الأبيض المتوسط، أو تقييم بعض القرارات بخصوص الراحة البيولوجية، أو في مواجهة مشكلة استخراج الرمال من أعماق البحار، أو مواجهة تسرب المواد الكيماوية التي تستعمل في الفلاحة في السهول المحاذية للبحار وأثرها على الثروات السمكية، أو قضية النيكرو الذي يهدد شباك الصيد البحري. كل هذه القضايا صارت تتطلب اليوم مقاربة شمولية تحضر فيها قطاع شريكة، مثل التجهيز، والبيئة، ووزارة الداخلية، وغيرها من القطاعات بحسب طبيعة المشكلة، وأظن أن حديث الحكومة الحالية عن التقائية المشاريع يفرض أن يتم تفعيل المقاربة التشاركية لمواجهة مثل هذه الإشكاليات التي لا يزال القطاع للأسف يعاني من تداعياتها.

 

 

أضف تعليق