غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
تنعقد النسخة الثالثة من معرض “أليوتيس” هذه السنة بأكادير ضمن لحظة إجماع غير مسبوقة، بحضور الغرف الأربع والكنفدراليتين اللتين تستوعبان مختلف التشكيلات المهنية داخل القطاع، وسط أجواء جد إيجابية أعقبت النجاح التكتيكي الذي حققه القطاع في مواجهة حيف فرض الضريبة على القيمة المضافة.
ومع أن المفترض من لحظة ملتقى “أليوتيس” أن تكون محطة لتعزيز الإجماع الحاصل والانتشاء بالنجاح التكتيكي الذي تحقق، إلا أنها ستبقى دائما لحظة للتفكير في أفضل الخيارات لمواكبة استراتيجية هذا المخطط وتعزيزها، واستدراك ما ينبغي استدراكه، بحكم أن الرهان على تحقيق تنمية مستدامة لقطاع الصيد البحري وتأهيله وعصرنته، يتطلب تعزيز الشراكة والحوار والانفتاح على القوة الاقتراحية التي يمثلها المهنيون الذين تؤهلهم خبراتهم المهنية لتطوير القطاع جنبا إلى جنب مع خبراء القطاع الوصي، كما يتطلب الأمر أن تكون هذه المحطة لحظة لتعزيز التعاون ودعم المبادلات بين مختلف الفاعلين في القطاع سواء كانوا مغاربة أو أجانب.
لحظة الإجماع هذه، لا تمنع أيضا من تقييم استراتيجية “أليوتيس”، والتوقف عند نقاط قوتها من أجل تحصينها وتعزيزها، والتفكير في سبل معالجة نقاط الضعف التي بينت الممارسة العملية على الأرض أنها تحتاج إلى تقييم وتدارك.
لكن، دائما خلف لحظات الإجماع هذه، قد تنطلق بعض الأصوات النشاز التي تجري وراء منافعها الخاصة، وتظن أن التلويح بالمقاطعة أو التهديد بها من غير وجود ما يبررها، يمكن أن يشكل سلاحها للابتزاز والركوب على مصالح القطاع من أجل تحقيق أهوائها الخاصة.
كان من المفترض لهذا النمط من السلوك الذي بدأ القطاع يتعافى منه، أن يؤتي بعض أكله لو لم تحصل لحظة الإجماع الفريدة هذه، وكان من الممكن في ظل أجواء الانقسام والخلاف بين مكونات الجسم المهني أن يحدث نوع من التشويش على هذا الملتقى بفعل المقاطعة ولو كانت محدودة، لكن في ظل أجواء الإجماع، والمشاركة القوية لكل الفاعلين، يحدث فرز حقيقي بين الجهات التي تريد أن يتقدم القطاع ويحقق أعلى نسبة من أهداف التنمية المستدامة به، وبين الجهات التي لا يهمها سوى مصالحها الخاصة، ولو تم إهدار كل الفرص التي يوفرها البحر، وشق الجسم المهني، وتعكير صفو فضاء العلاقات التي تحكمه.
السؤال اليوم جد بسيط، ويكشف الجواب عنه حقيقة المأزق الذي يتطلب بذل الجهد للخروج منه. إنه سؤال: من يقاطع اليوم؟
الغرف الأربع حاضرة في الملتقى، والكنفدراليتان اللتان تجمعان شمل التشكيلات المهنية هما أيضا حاضرتان وبكل قوة، والخطوط العريضة للملتقى هي موضوع إجماع، ولا يوجد خارج هذا الإجماع الشامل سوى أصوات قليلة نشاز لا تحتل أي موقع مؤثر داخل القطاع، أو بعبارة أخرى دالة، فهي اصوات لا تمثل إلا نفسها، أو لا تمثل إلا مصالحها الشخصية التي تمنت أن تجر القطاع كاملا للخراب من أجل تحقيقها.
لا نريد الاستمرار كثيرا في بيان حقيقة هذه الأصوات النشاز، لكن ما نريد التأكيد عليه، بعد تثمين الأجواء التي تسبق عقد هذا الملتقى، أن محاصرة مثل هذه الظواهر تقتضي أن نمر إلى السرعة القصوى، وأن تتكرس المحطات القادمة للعمل الجاد والمسؤول من أجل مواكبة استراتيجية “أليوتيس”، وتعزيز الحوار والشراكة من أجل تدارك ما يمكن تداركه ضمن المصلحة العامة التي يمليها تطوير القطاع.
ينبغي أن يحصل لدى المهنيين وعي كامل بأن أصحاب المصالح الشخصية يبحثون دائما عن شق الجسم المهني، وزرع أسباب الخلاف فيه، وتعميق الصراعات بين ثناياه، حتى يتسنى لهم في ظل هذه الأجواء تحريك جزء من هنا وهناك لتحقيق أغراضهم الشخصية، كما يحصل الانتعاش أكثر حينما تتعثر أجواء الحوار والشراكة والتعاون، ويجدون مثل هذه المناسبات فرصة للعب بمصالح القطاع والعبث بها
ولذلك، فمحطة ملتقى أليوتيس، التي حملت شعارا كبيرا هو “البحر مستقبل الإنسان”، ينبغي أن تتحول في كل سنة إلى شبه مؤتمر لتطوير الخطة، وتعديل الوجهة إن تطلب الأمر، حتى يشعر المهنيون جميعهم أن قطاعهم يسير في الاتجاه الصحيح، وأن فرص الاستدراك موجودة، شريطة أن تكون القوة الاقتراحية في مستوى التعديل، وأن تكون قوتها مستمدة من مصالح القطاع لا المصالح الخاصة أو الشخصية.
وتقديري أنه لو سارت الأمور في هذا الاتجاه، فإن الأمر لن يتوقف عند حل مشاكل القطاع ، وإنما سيتحول القطاع إلى نموذج لمختلف القطاعات الأخرى، في منهجية رسم استراتيجية النهوض به، وإرساء آلية سنوية لتقييمه ومراجعة ما يمكن مراجعته في جو من الأخذ والعطاء والحوار الجاد والمسؤول المبني على الرأي مقابل الرأي، والتقدير الصحيح لمشكلات القطاع وطرق معاجلته.
هناك اليوم خبرتان لا بد لهما من الالتقاء ضمن آلية سنوية للتقييم والتصويب والترشيد: خبرة الوزارة الوصية التي تم مراكمتها، وخبرة المهنيين على أرض الواقع.
إن التنافر بين هذين الخبرتين لا يفيد القطاع في شيء، بل بالعكس يضره بشكل كبير، وما لم يتم التفكير في الصيغ التي تجمع هاتين الخبرتين على مائدة واحدة، فإن الأصوات المشوشة ستجد الفضاء التي يمكن أن تنتعش فيه، وستجد بعض الحجج التي يمكن أن تستمسك بها لتبرير شذوذها.
وفي هذا السياق لا بد أن نشير إلى وجود تحدي حقيقي نعتبره التحدي الثاني بعد تحدي رفع الحيف الذي مثله فرض الضريبة على القيمة المضافة على معدات وآليات الصيد البحري. وهو التحدي المرتبط بنظام المراقبة، الذي يندرج ضمن محور الاستدامة في مخطط أليوتيس، بحكم أن النهوض بقطاع الصيد البحري وتوفير شرط الديمومة يتطلب التصدي للصيد غير القانوني ووضع آليات للمراقبة الصارمة والتي تمثلت في اعتماد نظام VMS بهدف التتبع الكامل والفعال لمنتجات البحر.
بيد أن هذه الآلية التي بدأ الاشتغال بها وجدت في طريقها العديد من المشاكل التقنية التي لم يتم التغلب عليها بسبب عوامل كثيرة منها استفراد شركة واحدة بعملية تثبيت آليات المراقبة وتتبعها.
والحقيقة أنه لا ينبغي الاستهانة بالمشكلات التقنية التي يعرفها تشغيل هذا النظام، لأنها في بعض الأحيان تصير إشكالية تصل حد إبطال مفعول الهدف المحوري الأول المعتمد في مخطط أليوتيس.
طبعا الحل ليس سهلا ولا جاهزا، ولكنه ليس صعبا إن تم وضع هذا التحدي ضمن الأولويات التي يجب التصدي لها، إذ لا يتطلب الأمر أكثر من حوار ثلاثي يجمع المهنيين بالوزارة الوصية والشركة المعنية بعملية المراقبة حتى يتم التشخيص الدقيق لجميع المشاكل التقنية، ويتم الانفتاح على جميع الحلول، ولو اقتضى الأمر فتح المجال لشركات أخرى منافسة حتى يتم تنويع العرض وتجويده من جهة، والرفع من مستوى المراقبة من جهة ثانية، وإيجاد حلول سريعة للمشكلات التقنية المطروحة.
بكلمة مختصرة، لقد وضع مخطط أليوتيس ثلاث محاور استراتيجية كبرى لا جدال حولها بين مختلف الفاعلين، غير أن تطبيق بعض المقتضيات على واقع الأرض أظهر بعض المشكلات التي بررت الحاجة لقوة اقتراحية لا تستعيض عن محاور مخطط “أليوتيس”، بل تضع نصب عينها النظر في أحسن الطرق والخيارات لتنزيل مقتضيات هذا المخطط على الوجه الصحيح.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية