غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
قبل البدء في بيان وجهة نظري في موقف المغرب الذي اتخذه الاتصال مع مؤسسات الاتحاد الأوربي باستثناء ما يتعلق بالحوار والتواصل حول ملف الاتفاق وقرار المحكمة الأوربية. لا بد أن نستحضر المعطيات الآتية:
1- أن قرار المحكمة الأوربية بإلغاء الاتفاق الزراعي الذي تنم إبرامه بتاريخ 8 مارس 2012، هو قرار قضائي، وأن هذا القرار بهذه الصفة لا يكون ملزما حتى يمر من مرحلتين، مرحلة القرار السياسي ثم مرحلة القرار الإداري، ولحد ألان لا توجد معطيات ملموسة أن الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوربي تتجه للتبني السياسي للقرار فضلا عن الاعتماد الإداري له، فلحد الآن لا زالت المنتجات الفلاحية المغربية تصدر إلى الاتحاد الأوربي بسلاسة وكذلك الأمر بالنسبة للمنتجات البحرية.
2- أن التصعيد ضد مصالح المغرب الفلاحية من قبل الاتحاد الأوربي، أو على الأقل من قبل بعض دول أعضائه ليس وليد اللحظة، فلا ننسى ما حدث مؤخرا من إعلان المفوضية الأوربية ومن جانب واحد مراجعة أسعار صادرات المغرب الزراعية وعلى رأسها الطماطم نحو السوق الأوروبية من خلال الرفع من الرسوم وإلغاء بعض الامتيازات الجمركية، وهو الأمر الذي واجهه المغرب بذكاء مستعملا في ذلك سلاح الصيد البحري وتأجيل إدخال اتفاق الصيد البحري إلى حيز التنفيذ.
3- الأمر الثالث، وهو المهم، وهو أن الحيثيات التي بنت عليها المحكمة الأوربية قرارها هي حيثيات سياسية وليست قانونية، إذ أن مؤداها في النهاية إلى استهداف السياسة والمس بالوحدة الترابية وهي قضية غير قابلة للتفاوض ولا المساومة من قبل المغرب.
وبغض النظر عن الأسباب التي دعت الاتحاد الأوربي، أو بعض دوله إلى الضغط لاتخاذ هذا القرار، فالتقدير عندي أن القرار الذي اتخذه المغرب سيدفع مؤسسات الاتحاد الأوربي إلى أن تعيش ورطة حقيقية، وذلك بسبب النتائج التي ستترتب عنه لو لم يتم مراجعته عبر الأداة الوحيدة للتواصل التي أبقى عليها المغرب، إذ يمكن للاتحاد الأوربي أن يفقد الأدوار المغربية الاستراتيجية التي أبانت التطورات الأخيرة أنها كانت جد حيوية بالنسبة لأوربا لاسيما ما يخص مواجهة التحديات الأمنية وحجم التعاون الأمني الذي يبديه المغرب على مستوى إقليمي. لدينا مثال قريب يمكن أن نبني عليه خلاصات جد مهمة، ففرنسا التي أساءت إلى المغرب من خلال استدعاء مسؤول أمني مغربي رفيع للمتابعة القانوينة مخالفة بذلك الاتفاقات القضائية المبرمة بين الطرفين، جنت من وراء سلوكها إيقاف التعاون القضائي، وهو الأمر الذي كلفها كثيرا لاسيما بعد الضربة الموجعة التي تلقتها في حادثة شارلي إيبدو، والتي أدركت فرنسا مباشرة بعدها أنها أخطأت التقدير، مما جعلها تصحح خطأها وتعيد العلاقات الفرنسية المغربية إلى دفئها. ولا ننسى ايضا ما حدث للسويد مؤخرا التي حاولت أن تلعب بورقة النزاع حول الصحراء من أجل أن تعزز حضورها كفاعل أساسي في مجلس الأمن، انتهى بها الوضع بعد الضربة الاقتصادية إلى سحب ملتمس الاعتراف بالبوليساريو، هذا مع أن المغرب لم يذهب بعيدا في التصعيد.
ولذلك، نحن نقدر كمهنيين أن الموقف المغربي يتمتع بتماسك وصلابة كبيرة بحكم أنه يتأسس على ثابت من الثوابت الدستورية، ويحظى بإجماع جميع المغاربة، بمختلف أطيافهم السياسية وتشكيلاتهم المهنية، وأنه لهذا الاعتبار يمتلك قوة النفاذ والتأثير، بحكم أن المغاربة جميعا يتحملون أي كلفة يمكن أن تترتب عن هذا القرار، ولو اقتضى الأمر أن يتم توجيه المنتجات الفلاحية المغربية الموجهة للتصدير إلى الاستهلاك الداخلي.
المشكلة بالقطع ستكون في الملعب الأوربي، الذي نظن أنه يحاول بهذه الزوبعة القضائية خلق شروط جديدة لتغيير الإطار التفاوضي حول المنتجات الفلاحية المغربية مجارة للوبيات الضاغطة داخل الدول الأعضاء، وأن الأمر لن يتجاوز هذا السقف.
ولذلك، نقدر أن الرد المغربي جاء في محله من حيث الموضوع وأيضا من حيث التوقيت، وأن ما ينبغي التفطن غليه أن الهدف من هذا التصعيد لا ينبغي أن يتوقف عند حدود إلغاء هذا القرار القضائي، وإنما ينبغي تحصين الإطار التفاوضي الذي تم تحصيله وعدم التراجع عليه خدمة للوبيات تريد أن تضعف المصالح المغربية.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية