غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
هناك حاجة ملحة إلى تسجيل ملاحظة مهمة تتعلق بطريقة تمثل كل من المهني المتخصص وغيره لطبيعة المشكلة التي اثارت كل هذا الاحتجاج في مدينة الحسيمة، وتسببت في الحدث المؤلم الذي راح ضحيته محسن فكري رحمه الله.
المواطن العادي، أو الرأي العام في عمومه، بجميع مستوياته وأطيافه، لا يملك معطيات متخصصة عن قطاع الصيد البحري، وربما لا يدرك التطورات الهامة التي دخلت على هذا القطاع وبسرعة كبيرة بفضل مخطط أليوتيس. فقبل هذا المخطط كان الصيد في المغرب تقريبا في حالة فوضى عارمة، ولم يكن لمفهوم الصيد غير القانوني معنى أو مضمون، بل ولم يكن لمفهوم الصيد مجهول المصدر أي وجود يذكر، لكن، بفضل مخطط أليوتيس والتطور التشريعي الذي عرفه هذا القطاع في السنوات الأخيرة، وبفضل التزامات المغرب أمام شركائه الدوليين في هذا القطاع، وبشكل خاص المنظمات الدولية الراعية لحماية البيئة والثروة السمكية، تسلح المغرب بجملة آليات مراقبة تستعمل الأقمار الاصطناعية لتحديد زمان ومكان الصيد وتحصين العملية من أي انزياح عن الصيد المشروع، كما صار الصيد معلوم المصدر، وصار السمك يتجول بأوراق هوية، كما تم وضع مساطر صارمة لحماية المستهلك بضمان صلاحيته للاستهلاك.
لكن هذه التطورات السرعية التي عرفها التشريع المغربي لضبط وتطوير القطاع والنهوض به، لم تغادر المرحلة الانتقالية، بما تعنيه من وجود بعض المقاومات، أو بروز بعض الإشكالات الاجتماعية المتعلقة بالصيادين التقليديين الذين يعتبر الصيد قوتهم اليومي المعاشي، وهي الإشكالات التي كان يتم التعاطي معها بقدر من المرونة التي تجمع بين تطبيق القانون في بعده الجزائي (الغرامات) ومراعاة البعد الاجتماعي لمنع حصول أي تشنجات أو تصعيد اجتماعي يتحول بسرعة بسبب طبيعة هذه الشريحة الهشة إلى تحدي أمني في موانئ المغرب ثم خارجها.
المواطن العادي، أو الرأي العام، ربما يوجد على مسافة بعيدة عما يجري من علاقات يومية بين الإدارة والمهنيين، وحتى الصحافة في الغالب ما لم يكن يتيسر لها نقل هذه الإشكالات اليومية، التي يتم في الغالب تدبيرها بالتسويات وأنصاف الحلول حفاظا على السلم والاستقرار، وايضا تطبيقا للقانون حتى لا يتم الإجهاز على مكتسبات أليوتيس ويتعرض المغرب لضغوط دولية من جراء عدم الوفاء بالتزاماته.
ولذلك، أصبح في حكم المألوف عند المهنيين، أن الإشكالات التي لا تجد حلها يعود المشكل فيها إلى أسلوب المندوب في التعاطي مع هذا الملف الذي يأخذ ثلاث أبعاد قانونية واجتماعية وأمنية.
ولذلك، وحتى يتمن فهم ما جرى في الحسيمة، فإن القضية في تكييفها الإداري والقانوني جد عادية، ولا تكاد يخلو ميناء من حالات مشابهة تقع كل يوم، ويتم تدبيرها ضمن تسويات وبشراكة مع الهيئات المسؤولة الممثلة للطيف المهني. فحالة يونس فكري، كما مجموعة من الحالات التي تعرفها موانئ المغرب، ليست استثنائية أو خارج العادة، بل هي جزء من الإشكالات التدبيرية التي تعرفها كل موانئ المغرب، والتي كانت تتطلب قدرا من التريث والحكمة في تدبير الملف، بعيدا عن أجواء التصعيد التي كانت الإدارة سببا في خلقها وشحنها.
القضية كانت في جوهرها بسيطة، إذ لو تم إعمال المساطر، كما هو منصوص عليها، لتم حجز هذه الأسماك ووضعها في الميناء، وإجراء حوار مع صاحبها من أجل التسوية بشراكة مع الهيئات المسؤولة للمهنيين، بعيدا عن الشارع العام، ودون الاضطرار إلى التعسف في تكييف المساطر بعيدا عن نصها وروحها.
التقدير الصحيح والراجح، أن الخطأ الجسيم الذي وقع وهو التسرع في تطبيق المسطرة وعدم استحضار الزمان والمكان المناسب وأيضا السياق الاحتجاجي، إذ السياق الذي تم إنتاج فيه القرار المتعسف، كان يتطلب تقديرا أمنيا وليس تقديرا إداريا، بحكم أن الملف أخذ بعدا اجتماعيا وحراكا شعبيا.
لقد كان وزير الصيد البحري عزيز أخنوش في غاية النباهة والذكاء حينما التفت مبكرا لجوهر المشكل، واتخذ قرارا استباقيا بإقالة المندوب ونائبه ورئيس المصلحة، تقديرا منه، أن المشكلة في حقيقتها مشكلة تدبير إداري لم يستحضر الأبعاد الاجتماعية والأمنية في الموضوع.
إن المشكلة في جوهرها تتمثل في تغييب المهنيين عن مساحة التشاور، وتغييب مؤسسة الغرفة، وعدم الإستماع إلى الشكايات المتواترة عنهم ضد مندوب الصيد البحري ونائبه ورئيس المصلحة بالمنطقة، والتعامل بلامبالاة مع التحذيرات التي صدرت منهم بشأن تصرفات هؤلاء التي كانت كملها تصب الويت في النار وتساهم في خلق الاحتقان بالمنطقة.
لقد مرت على القطاع في المنطقة مشاكل مستعصية، لم يكن بالوارد حلها، لكن بصبر المهنيين ورغبتهم في إيجاد حل، وبجهود مضنية لغرفة الصيد البحري، وتواصل مستمر مع وزارة الصيد البحري، أمكن للحوار المسؤول أن يقترب من إيجاد حلول مجدية لمشكلة النيكرو وتقنين الصيد بالمنبرات، واحترام زيادات الكوطا من التون الأحمر تناسبا مع الزيادة التي حصلت في نسبة المغرب ضمن الحصة المخصصة له دوليا، وإخراج مشروع تهيئة مصايد الأخطبوط الخاص بالشمال وبحر الأبيض المتوسط وتحقق مطلب مراعاة خصائص المنطقة، وكان من الممكن أن يستمر الحوار الجاد لطي عدد هائل من المشاكل التي كانت بالأمس القري بمستعصية، فهل كان من الصعب حل هذا المشكل البسيط الذي تسبب في الحادث المأساوي لو تم انتهاج المقاربة التي انتهجتها وزارة الصيد البحري على المستوى المركزي ولو تم استلهام عناصرها محليا؟
نعود ونكررها مرات عديدة، إنه لا يمكن بحال القفز على المؤسسات المعنية بالقطاع والتشاور حول قضاياه وإشكالاته، ثم الزعم أنه بالإمكان حل المشاكل بعيدا عنهم. أن كلفة تغييب غرفة الصيد البحري عن التشاور، وكلفة الاستهانة برأي المهنيين وإمكاناتهم في تطويق المشاكل، لا يمكن تقدير ضخامتها، ولعل في الحادث المؤسف الذي جر كل هذا الاحتقان دليل على هذه المغامرة غير المحسوبة.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية