آفاق بيئية : محمد التفراوتي
الطحالب هي كائنات حية ضوئية مسؤولة عن غالبية تجديد الأكسجين على الأرض، عن طريق تحويل الطاقة الضوئية ومصدر الكربون “ثاني أكسيد الكربون” إلى مادة عضوية “كتلة حيوية”. تزيل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للأرض وتنتج الأكسجين على غرار الغابات الأرضية، مما يساعد على تنظيم المناخ.
ويعتقد أن الطحالب بمختلف أصنافها تنتج أكثر من نصف الأكسجين على الأرض في الواقع. وتوجد هذه الطحالب في جميع البيئات المائية، وهي جزء أساس في دورة الحياة في الوسط البحري، وتشكل الحلقة الأولى في السلسلة الغذائية. كما أنها كائنات ذاتية التغذية، تتراوح من أحادي الخلية (المعروفة بالعوالق النباتية) إلى أشكال متعددة الخلايا (مثل الأعشاب البحرية).
تقوم معظم الطحالب بعملية التمثيل الضوئي، التي تستخدم الطاقة الشمسية لتحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى السكريات والأوكسجين. وهذه العملية تعتبر من أهم العمليات الحيوية التي تحدث على الأرض. وتختلف بعض خصائص الطحالب عن النباتات الأرضية، ومن ضمنها الطريقة التي يساعد بها الكلوروفيل في عملية التمثيل الضوئي.
هناك فئتان رئيسيتان من الطحالب: “الطحالب الكبيرة” المرئية بالعين المجردة، و”الطحالب المجهرية، وهي كائنات حية صغيرة وأحادية الخلية “العوالق النباتية”، وتوجد في الماء العذب و المالح و التربة الرطبة وتعد من أهم المصادر الغذائية للحيوانات الصغيرة في البيئة المائية.
تبدو العوالق النباتية ذات الخلية الواحدة غير مرئية للعين المجردة، إلا أنه يمكن رؤيتها في مجموعات، عادة في شكل سحابة خاصة عندما تتكاثر بكميات كبيرة مثل ما يحدث في بعض المناطق في البحار والمحيطات.
وهذا ما يحدث في الظروف المثالية للنمو مثل وجود درجة حرارة مناسبة ومصدر كافٍ من الضوء والمغذيات الحيوية مثل النترات والفوسفور والبوتاسيوم والكربون.
وعندما تتوفر هذه الظروف، فإن الطحالب المجهرية تتكاثر بسرعة وتشكل ما يعرف بـ “الانفجار الطحلُبي”. ومن بين الأنواع العديدة التي تتكون منها العوالق النباتية، ما ينتج سموما تسمى السموم النباتية. تنتمي في الغالب إلى فئة الطحالب الدوارة (Dinophyceae)، وهي بشكل عام إما ضارة بالحيوانات البحرية، أو مصدر للتلوث، الشيء الذي تتم ملاحظته بشكل متكرر في المحار أو الصدفيات والذي يمكن أن يؤدي إلى حظر استهلاكه.
وتعتبر الطحالب المجهرية أو العوالق النباتية كائنات مجهرية يتراوح حجمها بين 2 و 100 ميكرومتر، وهي ضرورية للحياة البحرية لأنها تقع في قاعدة السلسلة الغذائية للمحيطات.
وتتألف من عدة مئات الآلاف إلى عدة ملايين من الأنواع من بينها 47000 نوع تم تمييزها بالفعل، و تفيد الدكتورة الباحثة فاطمة العمري باحثة بالمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بأن الطحالب الدقيقة في مجال تربية الأحياء المائية، تلعب دورا أساسيا واستراتيجيا في تربية الأحياء المائية مثل الرخويات والقشريات والأسماك. وترتبط التطبيقات الرئيسية لهذه الكائنات الدقيقة في تربية الأحياء المائية بالتغذية، حيث يتم استخدامها كمكون واحد أو كمادة مضافة للأعلاف للمغذيات الأساسية.
وقالت الدكتورة فاطمة العمري أن الطحالب الدقيقة تقلل من الاعتماد على المضادات الحيوية والأدوية المستخدمة غالبا في تربية الأحياء المائية التقليدية، مما يحسن الجهاز المناعي للحيوانات المستزرعة ضد الظروف المعاكسة ومسببات الأمراض. وتستخدم بشكل شائع في المفرخات، وتنتج مستخلص يمنع نمو العديد من أنواع البكتيريا. ويمكن أن يكون مفيدا بشكل خاص أثناء تربية يرقات الرخويات والمحاريات عن طريق تقليل التلوث البكتيري خلال هذه الفترة المبكرة والمعرضة للإصابة.
لقد بات جليا لدى البحث العلمي بالمغرب وجوب استثمار هذا الثراء النباتي و المورد الحيوي الجديد والواعد، للاستخدام في العديد من التطبيقات، من قبيل إنتاج مواد ذات قيمة، والاستعمال في المجالات الصيدلانية والتجميلية والغذائية، وكذا إنتاج الوقود الحيوي، واستخدامها في تربية الأحياء المائية، أو إزالة التلوث من المخلفات الصناعية الغازية أو السائلة.
وقد قام المعهد الوطني، بصفته مؤسسة بحثية علمية في مجال الصيد البحري، بتوجيه برامجه البحثية بطريقة تدعم وتساهم في تحقيق توجهات خطة استراتيجية تنمية وتنافسية قطاع الصيد البحري المغربي ( HALIEUTIS)، من حيث الاستزراع المائي بشكل عام وتربية الرخويات بشكل خاص، لا سيما من خلال إنشاء مفرخين تجريبيين للمحار، أحدهما في شمال المملكة (البحر المتوسط) والآخر في خليج الداخلة بالمحيط الأطلسي.
وقام المعهد بتنفيذ هذا المشروع البحثي بهدف تطوير العرض الذي توفره منتجات الطحالب المجهرية من خلال جمع و عزل العينات من هذه العوالق المحلية و إنتاج استنباتات نقية لإنشاء بنك استنباتات الطحالب المحلي، مما سيمكن الباحثين والعلماء من تقييمها ودراسة الخصائص الفيزيائية و الكيميائية والوراثية لهذه السلالات. الشيء الذي سيقوم بدور هام في التنمية المستدامة وحماية البيئة وتطوير المجالات الصناعية في المغرب.
وقد شيدت محطة أبحاث وتكنولوجيا المحار بمنطقة “أمسا”، على بعد 15 كيلومترا من مدينة تطوان، في إطار التعاون المغربي الياباني. وهي تابعة للمركز المتخصص في علوم الحيوان وهندسة الاستزراع المائي البحري ( CSZIAM) التابع للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري (INRH ) في المضيق. وشكلت المحطة بذلك فرصة مهمة لتطوير تقنيات تربية وإنتاج صغار المحار على نطاق واسع والتي تتكيف مع الظروف المحلية. مما سيمكن من تكوين قاعدة بيانات علمية، وإثبات الجدوى التقنية والاقتصادية لإنتاج صغار المحار المحلي.
وأفادت الدكتورة فاطمة العمري أن الطحالب الدقيقة المخصصة لاستزراع المحار بالمحطة المشيدة تشكل أساس عملية إنتاج صغار المحار في المفرخات، فهي مدخلات أساسية لضمان التهيئة الجيدة لقطعان التفريخ، والنمو الأمثل لصغار المحار. لذلك فإن إنتاجها الضخم مع الجودة الجيدة أمر إلزامي لتحسين عملية إنتاج الزريعة.
هناك العديد من الأنواع المختلفة من الطحالب المجهرية المستخدمة في تربية الصدفيات، وتشمل بعضها: اسوكريسيس (Isochrysis sp) تيتراسلميس ( Tetraselmis sp) كتوسيروس ( Chaetoceros sp).
ولا مناص من تحسين استنبات الطحالب لكونها تمثل ما يقارب 40 في المئة من التكلفة الإجمالية لإنتاج الزريعة في المفرخات. خصوصا من خلال تعديل العوامل الرئيسية التي تؤثر على أداء النمو ونوعية مزارع الطحالب المجهرية (الأحماض الدهنية، البروتينات، الأصباغ…) والتي تتمثل في درجة الحرارة، والملوحة، والضوء، ووسط الاستنبات.
وأجريت تجارب لتحديد تفضيلات كل نوع في الإنتاج فيما يتعلق بهذه العوامل. وهذا ما سيؤدي إلى تحسين عملية إنتاج الزريعة من ناحية، والحفاظ على تكاليف الإنتاج عند مستويات معقولة من ناحية أخرى. و”تتضمن استراتيجيتنا البحثية النهج العملي الذي يعتمد على تطوير المهارات من حيث تقنيات استنبات الطحالب، من الاختيار والتنقية، إلى إعداد المخزون الاستنباتات، بما في ذلك توسيع نطاق الإنتاج المكثف وصيانته”، تضيف الدكتورة العمري.
وتعمل محطة أبحاث وتكنولوجيا المحار على تطوير استزراع وزراعة الرخويات في المغرب من خلال إتقان تقنيات استزراع المحار ونقلها. وعزل واختيار وزراعة وتحسين عملية الإنتاج المكثف لأنواع الطحالب، وتطوير وإتقان البروتوكولات التجريبية المتعلقة بتربية المحار ذي الصدفتين ثم المساهمة في تنمية استزراع الرخويات في المغرب، والترويج لاستزراع الرخويات، لتحسين عملية إنتاج الزريعة من ناحية، والحفاظ على تكاليف الإنتاج عند مستويات معقولة من ناحية أخرى.
وأضافت الدكتورة العمري أن النشاط البحثي في مجال الطحالب المجهرية ازداد في السنوات الأخيرة ، “ونحن الآن نعرف بشكل أفضل إمكاناتها و أهميتها. بحيث تقدر الدراسات أن حجم السوق العالمي للطحالب المجهرية سيزيد بنسبة تتراوح بين 4 في المائة و6 في المائة سنويا. مما يجعل هذا القطاع واعدا للغاية في المستقبل.
يشار ان المغرب (منطقة أخفنير) يتهيأ، في أفق 2024، لإطلاق منصة لإزالة ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري باستخدام الطحالب المجهرية. عن طريق إنشاء مزرعة مائية وسط الصحراء بهدف زراعة كميات كبيرة من الطحالب التي ستحتجز ما يناهز 40.000 طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا.
وسيتم تصفية الطحالب من الماء، عندما تكون جاهزة للحصاد، وهي عملية تستغرق ما بين 18 إلى 30 يوما، ثم تعاد المياه إلى المحيط. ويتم تجفيف الطحالب المجهرية ودفنها تحت الرمال، حيث يمكن تخزين الكربون الذي تلتقطه بشكل دائم. وتساهم هذه العملية كذلك في تخفيض حموضة المياه المؤثرة سلبا على المناخ.
بصفة عامة، يمكن القول إن دراسة الطحالب المجهرية تتطلب العمل في مختلف المجالات والتخصصات مثل الكيمياء والبيولوجيا والهندسة وغيرها. كما تعتبر مجالا بحثيا مهما في العديد من الجامعات والمؤسسات البحثية في جميع أنحاء العالم.
تم إنتاج هذا المقال بدعم من شبكة صحافة الأرض التابعة لـ”إنترنيوز” كجزء من “مبادرة الإعلام المتوسطية