تقرير حول اللقاء الثاني بين مهنيي قطاع الصيد البحري التقليدي لضفتي مضيق جبل طارق

احتضن مقر غرفة الصيد البحري المتوسطية يوم الثلاثاء 5 نونبر 2024، اللقاء الثاني بين مهنيي قطاع الصيد البحري التقليدي من ضفتي مضيق جبل طارق، والذي تمحور حول موضوع “خطة الإدارة التشاركية للموارد السمكية في مضيق جبل طارق“.

 كما حضر اللقاء مندوب الصيد البحري بطنجة، وممثلي قطاع الصيد البحري، والمدير الجهوي للمكتب الوطني للصيد، وأطر من المركز الجهوي للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بطنجة.

ومن الجانب الإسباني، شارك السيد خوصي مانويل جاكيتوت، ممثل قطاع الصيد البحري والفلاحة في سفارة المملكة الإسبانية بالرباط، والسيد نيكولاس فرنانديز مانيوز، رئيس منظمة منتجي الصيد التقليدي بساحل المضيق “لونخا دي كونيل”، إلى جانب وفد من الباحثين والمهنيين.

يهدف اللقاء إلى تعزيز التعاون بين الطرفين المغربي والإسباني لتطوير خطة مشتركة لإدارة الموارد السمكية في هذه المنطقة الحساسة، والعمل على حماية التنوع البيولوجي البحري وضمان استدامة المخزون السمكي في ضفتي المضيق.

وأضاف السيد الرئيس أن هذا يأتي في إطار مواصلة الجهود والنقاش قصد بناء استراتيجية عمل مشترك لتطوير قطاع الصيد التقليدي بالضفتين في ظل تأثر القطاع بالتغيرات المناخية التي يعرفها العالم وما لها من تأثير سلبي على المخزون السمكي، وفقدان التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه مهنيي الصيد البحري. هذا الأمر يستلزم تظافر الجهود من خلال مشاركة مختلف الأطراف المعنية: المهنيين، العلماء، والإدارات الحكومية، يمكننا ضمان الاستخدام الأمثل لهذه الموارد وضمان استمراريتها للأجيال القادمة.

وشدد السيد الرئيس أن قطاع الصيد البحري هو قطاع اقتصادي حيوي فإننا في غرفة الصيد البحري المتوسطية نثمن مجهودات منظمة منتجي الصيد التقليدي بساحل مضيق جبل طارق ومستعدون لوضع اليد في اليد من أجل خدمة قطاع الصيد البحري في المنطقة بمقاربة تشاركية موسعة، كما نثمن أيضا العلاقات القوية التي تربط المملكة المغربية والمملكة الاسبانية في مختلف المجلات وخصوصا في قطاع الصيد البحري.

 ” اليوم، لدينا فرصة فريدة من خلال هذا اللقاء لتحديد أدوات وآليات عملية للتعامل مع هذه التحديات. العروض التي سنستمع إليها، والنقاشات التي ستتبعها، تشكل قاعدة قوية لبناء خطط مستقبلية للإدارة التشاركية لمصايد الأسماك في مضيق جبل طارق. هذا يشمل أيضاً اقتراح إنشاء مجموعات عمل علمية قطاعية مشتركة، ولجان إدارة تتولى مسؤولية متابعة تنفيذ هذه الخطط.

وفي ختام كلمته أكد السيد الرئيس “إنني واثق بأنكم جميعاً، بصفتكم ممثلين لهذا القطاع الحيوي، تدركون تماماً أهمية هذه الخطوات. لذا فإنني أدعوكم للعمل معاً يداً بيد، بروح من التعاون والانفتاح، لتحقيق مستقبل أفضل لمصايدنا وبيئتنا البحرية، ولضمان استدامة هذه الموارد للأجيال القادمة”.

وبعدها تناول الكلمة السيد رئيس منظمة منتجي الصيد التقليدي“لونخا دي كونيل”الإسبانية، حيث قال أن اللقاء يأتي في إطار مصالح مشتركة بين البلدين، وأنه على الحكومات مراعاة وجهات نظر علمية على اعتبار أن الصيد التقليدي بضفتي مضيق جبل طارق ليس بخير، فهناك تغيرات مناخية غير مسبوقة يتم رصدها وبالتالي يجب أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار.

ومن جانبه قال السيد ممثل سفارة المملكة الإسبانية بالرباط، أننا هنا لتقديم يد العون والمساعدة والقطاع يشغل بالنا جميعا، كما أن المملكة المغربية كبلد بات يجذبنا متمنيا التوفيق للحاضرين قصد وضع مقترحات وتصورات جديدة بخصوص قطاع الصيد البحري.

في كلمتها بالمناسبة، رحبت السيدة ممثلة قطاع الصيد البحري بالحضور الكريم، وأعربت، نيابةعن مدير الصيد البحري، عن شكرها للغرفة المتوسطية على تنظيم هذا اللقاء الهام حول “خطة الإدارة التشاركية للموارد السمكية في مضيق جبل طارق”، والذي جمع المهنيين المغاربة والإسبان العاملين في مجال الصيد البحري. وأضافت أنها، باسم كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري، ترحب بالمهنيين الإسبانيين وتثني على مساهمتهم الفعالة في هذا المشروع الذي يعكس التزام الجميع بتعزيز التعاون والتفاهم لحماية واستدامة مواردنا السمكية.

وأشارت السيدة ممثلة القطاع إلى أن مضيق جبل طارق ليس فقط ممرًا مهمًا للسفن التجارية، بل هو أيضًا موقع حيوي للتنوع البيولوجي، وممر رئيسي للموارد السمكية المهاجرة التي يجب أن نحميها في ظل التحديات التي تواجهها البيئة البحرية. من بين هذه التحديات، التغيرات المناخية التي تؤثر على توزيع الموارد السمكية وتستدعي تعديل خطط تدبير المصايد، إضافة إلى التراجع الكبير في التنوع البيولوجي للبحار، وانخفاض الأنواع “الأساسية” المستهدفة من الصيد التقليدي، إلى جانب تأثير التلوث البيئي بأنواعه المختلفة.

وأوضحت أنه لمواجهة هذه التحديات وللحد من الاستغلال المفرط للمصايد المتوسطية، يجب الإشارة إلى ما تحقق من خلال التعاون المشترك داخل الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط، حيث تم الاتفاق على توصيات مهمة تشمل تدابير عدة، أبرزها التوصيات الخاصة بسمك الزريقة، حيث تم تطبيق مخطط لمدة ثلاث سنوات بالتشاور مع المهنيين.

وأكدت السيدة ممثلة الوزارة أنه، استنادًا إلى نفس المنهجية التشاركية، يُعتبر هذا اللقاء فرصة لتبادل الأفكار والتجارب، ومناقشة المشاكل التي يواجهها المهنيون المغاربة والإسبان. وأشارت إلى أهمية تعزيز التعاون المباشر بين جميع الفاعلين لتحقيق إدارة فعالة للموارد السمكية، بما يوازن بين الحفاظ على هذه الموارد وتلبية احتياجات الصيادين الاقتصادية والاجتماعية. وفي ختام كلمتها، أثنت وشجعت السيدة ممثلة الوزارة إدارة الصيد البحري بالمغرب على هذه المبادرة التي تتماشى مع النهج التشاركي الذي تتبناه على الصعيد الوطني.

وفي إطار هذا اللقاء، قدم السيد سعيد بنشوشة، ممثل المركز الجهوي للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بطنجة، عرضا تناول فيه موضوع “تأثيرات تغير المناخ وتدهور الموارد البحرية وفقدان التنوع البيولوجي”، حيث سلط الضوء على أبرز التغيرات المناخية في المنطقة وكذلك وضعية المصايد المحلية في البحر الأبيض المتوسط.

وأكد السيد بنشوشة في عرضه أن المنطقة تتمتع ببيئة أساسية للعديد من أنواع الأسماك المهاجرة، مثل سمك التونة وسمك أبو سيف، بالإضافة إلى الأسماك القاعية والسلاحف البحرية. وأشار إلى أن مضيق جبل طارق يُعد منطقة ذات حركة بحرية كثيفة، مما يتسبب في العديد من حوادث الجنوح والتصادم مع الثدييات البحرية من قبل السفن العابرة، وهو ما يؤثر بشكل كبير على السلامة البحرية وعلى نمو وتوالد الأسماك في المنطقة.

كشف السيد بنشوشة عن أهمية التنوع البيولوجي في المنطقة، حيث أشار إلى أن الثدييات البحرية تلعب دورا كبيرا في هذا التنوع. وأوضح أنه تم رصد مؤخرا أن السلاحف البحرية تتغذى على قناديل البحر، مما ساهم في تراجع أعدادها بشكل كبير في المنطقة المتوسطية مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت قناديل البحر تتكاثر بكثرة. وأكد أن الصيد العرضي يعد أحد العوامل التي تساهم في زيادة أعداد قناديل البحر. كما أشار إلى أنه تم رصد نفوق 14 نوعا من الثدييات البحرية خلال الفترة الماضية.

وأشار السيد بنشوشة أيضا إلى تأثيرات التغيرات المناخية التي أدت إلى ظهور الطحالب البنية بشكل مقلق، بالإضافة إلى ارتفاع حرارة مياه البحر، مما يشكل تهديدا بيئيا. فمثلا، أصبح لون المرجان يميل إلى الأحمر بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، وهو ما يمثل خطرا كبيرا، خاصة أن المرجان يُعتبر من الكائنات البحرية الحساسة للغاية، حيث يمكن أن يؤثر عليه ارتفاع درجة حرارة المياه بدرجة واحدة، وقد يؤدي ذلك إلى تدميره. كذلك، تم رصد ارتفاع نسبة الملوحة وانخفاض مستويات الأكسجين في مياه البحر، وهو ما أدى في بعض الشواطئ مؤخرا إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك نتيجة لهذه الظاهرة.

وأكد السيد بنشوشة أن الطحالب البنية تشكل خطرا على البحارة، حيث يعاني منها كل من الغواصين المحترفين والصيادين، نظرا لأنها تنتشر في الأعماق المختلفة للمنطقة. ورغم تأثيرها السلبي على التنوع البيولوجي، أضاف أنها يمكن أن تُستغل في بعض المجالات، مثل صناعة الأسمدة.

تطرق السيد بنشوشة في عرضه أيضا إلى السلطعون الأزرق، الذي يُعد من الأنواع الدخيلة التي ظهرت مؤخرا، حيث ظهر في البداية في أمريكا وانتقل إلى البيئة المحلية. يتميز هذا السلطعون بقدرته الكبيرة على التحرك، إذ يسبح لمسافة تصل إلى 15 كيلومترًا يوميًا، ويتغذى على الصدفيات، القمرون، وأي كائن يعترض طريقه. وقد لوحظ أيضًا أنه قادر على تحمل مستويات منخفضة جدًا من الأكسجين. ووفقًا للأبحاث العلمية، يُعتبر الأخطبوط الكائن الوحيد الذي يتغذى عليه، مما يبرز تأثيره السلبي على الصيد البحري وتوازن النظام البيئي بشكل ملحوظ.

وأشار السيد بنشوشة في عرضه إلى ضرورة اتخاذ تدابير للحد من هذه التحديات، موضحا أن التغيرات الحالية هي نتيجة للأنشطة البشرية، حيث يمتص البحر جزءا كبيرا من التلوث الموجود في الهواء. وشدد على أهمية وضع مخطط إداري للتخفيف من تأثير التغيرات المناخية على البيئة البحرية، بهدف حماية التنوع البيولوجي وضمان استدامة الموارد البحرية.

في الفترة المسائية للملتقى، تم تنظيم ورشات وجلسات نقاش، حيث شدد الحاضرون من الجانب الإسباني على ضرورة البحث عن أدوات وأساليب تساعد في الحفاظ على الثروة السمكية وتنويع الأنواع البحرية.

وبدوره، أشار السيد نيكولاس فرنانديز، رئيس المنظمة الإسبانية، بعد الاستماع للعروض المقدمة، إلى أنهم في الضفة الأخرى يعانون من نفس المشاكل، من انتشار الأنواع الدخيلة واختفاء بعض الأنواع، مثل سمك “السمطة” الذي انقرض على السواحل الإسبانية منذ عام 2019. وأكد على ضرورة البحث عن حلول فعّالة لمواجهة تأثيرات التغير المناخي على قطاع الصيد البحري والكائنات البحرية بشكل عام، مشدداً على أن الاعتماد على نظام واحد لمواجهة هذا التحدي سيكون مضراً، وداعياً إلى العمل على وضع صيغ بيولوجية طبيعية لاستعادة المخزونات السمكية للمنطقة، وتعزيز التعاون بين الوزارات والسفارات والخبراء من الجانبين.

وخلال الورشات، طرح الحاضرون عدة ملاحظات ومشاكل متفاقمة، منها انتشار البلاستيك القادم من المزارع الفلاحية، ودعوا إلى معالجة مياه الصرف الصحي، حيث يساهم التلوث بشكل كبير في انخفاض أعداد الأسماك، كما أشاروا إلى الممارسات غير المسؤولة بيئيًا. كما أثاروا مشكلة سمك “الأوركا” الذي أصبح أكثر عنفًا تجاه البحارة، خاصة على مراكب الصيد التقليدي، وطالبوا بوضع خطة لتعويض البحارة أثناء فترة الراحة البيولوجية.

من بين المواضيع الأخرى المثارة، كان هناك قلق من انتشار الطحالب البنية التي تهدد البيئة البحرية، حتى إن البعض أبدى مخاوف من احتمالية تلوث مياه الصنابير بهذه الطحالب في المستقبل. ودعا الحاضرون المعهد الوطني للبحث في الصيد إلى التواجد في الموانئ، خصوصاً تلك المستخدمة للنقل البحري والشحن، للحد من المخاطر الناتجة عن بعض السفن التي تساهم في نقل الأنواع الدخيلة إلى مضيق جبل طارق، مما يؤدي إلى تكاثرها وانتشارها.

وقد رد أطر المعهد بأن مسؤولية موانئ النقل البحري والشحن تقع تحت إشراف وزارة التجهيز والماء، وليس قطاع الصيد البحري، إلا أن الحضور رفضوا هذا التبرير، مشيرين إلى أن المعهد معني بشكل مباشر بالأبحاث البحرية ولديه دور أساسي في مراقبة المخاطر البيئية.

ومن الخلاصات التي تم تقديمها بعد انتهاء الورشات، تم التأكيد على النقاط التالية:

  • ضرورة اعتبار بيئة مضيق جبل طارق البحرية شديدة الهشاشة، باعتباره “رئة المتوسط”، مما يستوجب تبني استراتيجية خاصة لحمايته.
  • الحاجة إلى سن إجراءات صارمة لحماية البيئة البحرية، وتطوير خرائط علمية مشتركة للبحث.
  • تعزيز العمل البيئي كجزء أساسي من خطة حماية الموارد البحرية.
  • متابعة حركية وخرائط الطحالب، خصوصاً فيما يتعلق بالسفن التجارية، للحد من انتشارها.
  • التأكيد على أهمية الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالمصايد والمخزون السمكي البيئي.
  • ضرورة أخذ التغير المناخي في الحسبان لما له من تأثيرات اقتصادية واجتماعية على البحارة الصيادين.
  • تقييم الوضع الحالي للأنواع الدخيلة وأثرها على النظام البيئي.
  • التعاون مع المنظمات المهنية للصيد البحري، سواء على المستوى الدولي أو المحلي.
  • البحث عن تمويل خاص لمشاريع ملموسة لدعم القطاع، ووضع مقترحات تتعلق بحماية البيئة البحرية، ومتابعة حالة التلوث والتوازن البيئي بشكل عام.

تعتبر هذه الخلاصات خارطة طريق هامة لتحقيق استدامة أكبر في القطاع البحري والتصدي للتحديات البيئية المتزايدة.

وفي ختام اللقاء، تم إصدار مجموعة من التوصيات التي ينبغي العمل على تنفيذها في المستقبل. ستتولى الغرفة المتوسطية ومنظمة منتجي الصيد التقليدي في ساحل المضيق “لونخا دي كونيل” إعدادها وإصدارها قريبًا.

 ومن أبرز هذه التوصيات:

وضع استراتيجيات مشتركة وفعّالة للحفاظ على الموارد السمكية المهددة بالانقراض في مضيق جبل طارق، وتعزيز التعاون المشترك والدولي مع المنظمات المعنية والمؤسسات الحكومية. كما سيتم وضع برنامج للحد من تأثيرات التغير المناخي على البيئة البحرية، واعتماد فترات راحة بيولوجية موحدة لتعزيز استدامة القطاع البحري.

أضف تعليق