غرفة الصيد البحري المتوسطية – طنجة
لفت انتباهي وأنا أقرأ إحدى الجرائد الوطنية مقال حول الصيد البحري بمدينة طنجة، وقعه شخص سمى نفسه أبا أيمان، وهو في الواقع ليس إلا مراسل الجريدة، الشعباوي الذي لا ندري لماذا لا يجرؤ على وضع اسمه الصريح في المقال، هل لأن الأمر يتعلق بدلالته الشعبوية؟ أم ليختبئ وراء الأسماء المستعارة ليصفي الحساب أو يبتز الجهات التي لا تساير أسلوبه في العمل الصحفي.
سندع ذلك كله جانبا، وسنحتفظ بوصف هذا التخفي بكونه قلة جرأة وشجاعة في العمل الصحفي، ثم نتجه توا إلى مناقشة مضامين هذا المقال.
أول ما يلفت الانتباه في المقال، أنه لم يترك شيئا إلا وسوده بالافتراء الذي لا يصدقه أحد، إلى حد الادعاء بأن مفوضية الصيد البحري بالاتحاد الأوربي دخلت على الخط، فأدان باتهاماته الإدارة لكونها تتستر على الصيد الممنوع وعلى استعمال الشباك الممنوعة دوليا، ووجه الاتهام للمهنيين، وأطلق رصاصات كثيرة متفرقة أصاب بعضها المكتب الوطني للصيد البحري ومندوبية الصيد البحري ووزارة المالية ورجال الجمارك، ولم يستثن وزارة الصيد البحري إذ اتهمها أيضا بالتواطؤ في حرمان الصيادين من التعويض عن التخلي عن الصيد بالشباك المنجرفة.
والحقيقة أن المقال حين يتعدى وظيفة الإخبار، أو التحليل، أو النقد المستند إلى البيانات والوثائق، ويصير أشبه ما يكون بطلقات رصاصات فارغة في الهواء، لا يمكن أن نفسره إلا بكون صاحبه إما يحمل كومة حقد وكراهية على المهنيين في القطاع بمدينة طنجة، أو يتصور أن أساليب الابتزاز العتيقة التي كانت تستعمل في العمل الصحفي لا تزال صالحة، في حين أن الر أي العام اليوم تغير، وصار يميز بشكل كبير بين الحقائق وبين المزاعم الباطلة، بل صار يميز بين الصحفيين ذوي المصداقية الذين يجتهدون في إبلاغ الحقيقة إلى الرأي العام، وبين الذين يقضون أوقاتهم في المقاهي، ويحلمون القفف، ويتصورون أن الاستجداء أو الابتزاز يمكن أن يكون بديلا عن قواعد المهنة وأخلاقها، أو يتصورون أن العمل الصحفي بدل أن يكون خدمة للحقيقة، يصير تطوعا لخلق الفتنة، وابتزاز المسؤولين.
ثاني نقطة في المقال، تتعلق، بقضية تعويض المهنيين، والتي لا يخفى على المتتبعين، وليس المتطوعين لخلق الفتنة، أن العملية تمت بنجاح وفي كامل الشفافية بتنسيق تام بين الوزارة والمهنيين، وأنه قد حسم الموضوع وطوي، وعوض من عوض، ويمكن للصحفي المهني الباحث على الحقيقة أن يحصل على وثيقة الشراكة بين وزارة المالية ووزارة الصيد البحري وغرف الصيد البحري، وعلى المبلغ الذي رصد، والبحارة الذين استفادوا من هذا التعويض، بل يمكن له أيضا أن يتتبع التحويلات المالية من الخزينة العامة إلى المعنيين، حتى يتبين بأن الأسلوب الذي يكتب به الشعبوي، ربما كان ينفعه في ما مضى، أما اليوم، فإنه بما يكتب يجعل نفسه عرضة لتهكم زملائه من الصحفيين، لأنه يسمح للسانه الطويل بأن يرمي بالتهم من غير أن تكون لديه وثيقة إثبات واحدة.
أما النقطة الثالثة، فتتعلق، بالصيد الممنوع، أو الصيد الذي يتجاوز الكوطا المسموح بها. والحقيقة أن السيد الشعبوي، نتيجة ضعف اطلاعه على قطاع الصيد البحري، لا يدري بأن التون الأحمر، يوجه بنسبة عالية إلى التصدير، وأن الكوطا التي يتحدث عنها، إنما هي مفروضة على المغرب من قبل المنظمات الدولية، وأن المغرب ما فتئ يطالب عبر المهنيين برفع هذه الكوطا وتقوية نصيب المغرب من صيد هذه الأسماك.فبدل أن يكون السيد الشعبوي، مدافعا عن مصالح المغرب، مطالبا- كما يفعل المهنيون في المغرب- برفع كوطا المغرب من الصيد البحري، يسخر قلمه من حيث لا يدري ويحوله الى بوق لخدمة المصالح الأجنبية في المغرب.
طبعا هذا لا يعني أننا نبرر تجاوز الكوطا المفروضة على المغرب في صيد سمك التونيات، لكن، الذي تابع موجة هذه الأسماك التي غزت المياه الساحلية المغربية، حتى سجلت حالات انتحار عديدة لهذه ألأسماك صيف السنة الماضية، يطرح لديه سؤال كبير، حول الكوطا المفروضة على المغرب، وكيف تشتغل المنظمات الدولية للدفاع عن مصالح البلدان الأخرى على حساب مصالح المغرب، وأنه آن الأوان لكي نتجه من أجل الضغط لرفع هذه الكوطا والدفاع عن مصالح المغرب بدل أن نصير أداة مطيعة للمنظمات الدولية نكتفي بالتنفيذ دون أن نمارس الضغط لتوسيع مصالح المغرب.
بطبيعة الحال، من يكتفي بالجلوس في المقاهي لتلقف الأخبار الفارغة لا يفهم هذه الرهانات، ولذلك، فقد يسمح بقلمه بأن يصير أداة لخدمة المصالح الخارجية دون أن يدري.
أما النقطة الرابعة، فتتعلق بقضية التراخيص لنيل القروض، فلأول مرة، أرى صحفيا لا يفهم ما يقول، أو يكتب ما لا يعي، فمتى كان نيل القروض في المغرب يحتاج إلى تراخيص للإدارة، ومتى كانت الوزارة تقدم التراخيص لنيل القروض. إذا كنت أفهم شيئا، أو أحاول أن أفهم الخلط الذي وقع فيه السيد الشعبوي، وهو أنه ربما يتحدث عن برنامج إبحار 3، والذي يعرف الجميع أنه برنامج وطني متكامل، تم المصادقة عليه داخل المؤسسات التشريعية، ثم تم تضمينه الميزانيات الفرعية المصادق عليها أيضا، والذي تخضع الملفات فيه إلى دراسة متأنية ومتدرجة، تمر أولا عبر لجنة محلية مشتركة بين المندوبية والمهنيين، بحيث يتم بحث الأوراق والمستندات ومراقبتها، ومقارنة ذلك بوضعية المراكب التي يتم تفقدها، ثم تحال هذه الملفات على لجنة وطنية لدراسة هذه الملفات والتأشير عليها وذلك من أجل تقديم التعويضات التي ليست مجرد أموال ريع تقدم هكذا، وإنما هي أداة فعالة تهدف إلى عصرنة القطاع والنهوض به، وليس في هذا المسار الطويل اي شيء اسمه تراخيص لنيل القروض التي للأسف أخرجها السيد الشعبوي من رأسه كما يفعل الشعبويون دائما.
لقد كان يراودني شعور بعدم الرد على هذه الترهات التي أوردها السيد الشعبوي، وترددت في الأمر، ثم قررت أن أخصص كلمة هذا الأسبوع لوضع الرأي العام أمام الحقائق، ليس بقصد إقناعهم بحقيقة ما يجري داخل القطاع فقط، ولكن، حتى يفهم الرأي العام، أن الجسم الصحفي ليس منزها تماماً ممن يقتنصون الفرص، ويخرجون على قواعد المهنة وأخلاقها من أجل تحقيق أغراض خاصة لا علاقة لها بالغيرة على القطاع ولا بالدفاع عن مصالح المهنيين.
السيد: يوسف بنجلون
رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية