كلمة السيد يوسف بنجلون مستشار فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين حول قطاع الصيد البحري.

img28112015

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد الوزير
السيد رئيس اللجنة
السادة المستشارين

ربما يكون لتدخلي اليوم طابع خاص، فقد اشتغلت كمهني في قطاع الصيد البحري إلى جانب السيد الوزير وطاقمه ما يناهز تسع سنوات، وعاصرت سبع وزراء تعاقبوا على تسيير هذا القطاع، ولذلك ربما يكون لتقييمي طابع خاص واستثنائي بحكم أني عايشت المسارات التي قطعها هذا القطاع والسياسات التي تم تنفيذها فيهمن ذلك التاريخ إلى اليوم.

ولذلك، اسمحوا لي أن أقولها ومن دون مجاملة، أن السياسات العمومية في هذا القطاع عرفت نضجها ورشدها مع وزير الصيد البحري السيد عزيز أخنوش الذي استطاع بكل جرأة وشجاعة أن يبلور داخل القطاع رؤية استراتيجية بأفق واضح المعالم سميت بالمخطط الأزرق أو أليوتيس، وتبنى طوال فترة ولايته الممتدة إلى اليوم سياسة تشاركية مع المهنيين لإنضاج القرارات والمشاريع التي كان لها الأثر الواضح في النهوض بالقطاع وتحديثه وعصرنته.

ومع أننا كنا دائما نؤكد بأن لهذا البرنامج إيجابياته وسلبياته، لكننا ما فتئنا نذكر بأنه من الضروري عند كل استراتيجية أن تظهر بعض نقائصها، وأن المطلوب هو تثمين الإيجابي فيها، وحسن تنزيله، واستدراك جوانب النقص فيها، ومحاولة تصحيحها. وهذا بالفعل ما عشناه مع السيد الوزير بسبب روح الإنصات الذي يتميز به، وكذا انفتاحه على آراء المهنيين ومقترحاتهم.

ولذلك، دعوني أقول لكم، سيدي الوزير، السيد رئيس اللجنة، والسادة الأعضاء، أن القطاع مع استراجية أليوتيس دخل دينامية جديدة، وخاض حراكا غير مسبوق، كانت مخرجاته في الغالب تصب في خانة تطوير القطاع والنهوض به، بما في ذلك الصعوبات والعوائق التي ظهرت، والتي حركت إرادة الحوار، ورسخت الثقة بين مختلف الفاعلين والمتدخلين في القطاع، وسهلت التوصل في العديد من الأحيان لقرارات مرضية التف حولها الجميع.

والحقيقة أن ذلك لم يكن ليتم من غير جرأة السيد الوزير وشجاعته في اقتحام غمار هذا القطاع، والتفكير في استراتيجية شاملة تعالج كافة ملفاته، والتحلي بالحكمة والإنصات، وأحيانا الصبر لتقريب وجهات النظر بين مختلف المتدخلين أخذا بعين الاعتبار أن هذه المهمة ليست بالسهلة في قطاع تتضارب فيه مصالح اللوبيات، وتختلف فيه خاصيات مناطق الصيد، كما أنواعه. ومع ذلك كله، نستطيع القول بكل إنصاف أن السيد الوزير بما تحلى به من صفات رجل الدولة المحاور نجح في نقل هذا القطاع من قطاع مشلول ومفلس يعج بالمشاكل والحراكات الاجتماعية إلى قطاع عصري مهيكل ومربح.

لا أريد في هذا التدخل أن أسرد عليكم الإنجازات التي جاء بها مخطط اليوتيس، ولا السياسات العمومية التي نزلته سواء في شكل تشريعات أو قرارات أو برامح ومشاريع، لكن يكفي هنا أن أذكر ببعض النقاط المشرقة التي كان لها أثر واضح على هذا القطاع:

– من ذلك العمل الجبار الذي قامت به الوزارة من أجل التوصل إلى تقديم الدعم للمحروقات المستهلكة من طرف المراكب عندما احتاج الوضع إلى مثل هذه الخطوة.

– من ذلك أيضا تهيئة مختلف أنواع المصايد (الأخطبوط والقمرون وسمك بوسيف) واللائحة طويلة، دون أن ننسى التون الأحمر، والذي بفضل تهيئة مصايده، تبوأ المغرب مكانة جد مميزة في المنظمة الدولية للحفاظ على التونيات بالمحيط الأطلسي.

– ولا يفوتنا في هذا الصدد إحاطة الحاضرين بالمجهودات الجبارة التي قامت بها وزارة الصيد البحري بمختلف أطرها للحفاظ على الثروات السمكية، إذ زاوجت بين العديد من السياسات لتحقيق هذا الهدف، مع بذل أقصى ما يمكن من الجهد للحيلولة دون الإضرار بمصالح المهنيين، فاعتمدت من جهة الراحة البيولوجية، ومن جهة ثانية، اعتمدت تقنية الصيد بالتناوب، وأحيانا أخرى عملت على إيجاد محميات طبيعية في مختلف بحار المملكة.

وبطبيعة الحال، لم يكن من الممكن تفعيل كل هذا إلا بتنزيل ترسانة من القوانين والتشريعات والقرارات التي تم التوافق حول كثير منها مع المهنيين، وكانت للسيد الوزير كامل الجرأة في تفعيل بعضها كعملية استباقية لخلق أرضية نقاش وتتحاور أفضى في غالب الأحيان إلى اتخاذ قرارات توافقية حققت نجاحا منقطع النظير في القطاع. وفي هذا السياق نذكر على سبيل المثال لا الحصر المقاربة التي اعتمدتها الوزارة فيما يتعلق بمخزون (س) للسردين في الأقاليم الجنوبية بمياه المملكة. هذه المقاربة التي جعلت منطقة الداخلة قبلة للاستثمارات الأجنبية، مما أبطل مفعول كثير من الشبه التي تثيرها بعض المنظمات الدولية حول تدبير الموارد في هذه المناطق. بل إن المغرب، انخرط بهذه المقاربة في خلق توازن ماكرو استراتيجي سياسي بالمناطق الجنوبية، وفر دعما سياسيا رمزيا دوليا للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية لاسيما من قبل الشريك الاستراتيجي الأول للمملكة الاتحاد الأوربي.

وهنا، كان المغرب من خلال وزارة الصيد البحري، حاضرا بقوة بدبلوماسية موازية قدمت للمغرب خدمة كبيرة في دعم موقفه من خلال اتفاق الصيد البحري الذي قدم من جهة دعما سياسيا للسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، وجعل من جهة ثانية، المغرب يكسب الرهان من خلال العائد الذي جلبه من هذا الاتفاق والمتمثل في الكسب المادي المهم، ثم الشروط التي أخضه لها المغرب الأسطول الأجنبي، إذ ألزمته بالصيد في حدود المصايد غير المتضررة، وأخضعته للمراقبة الدقيقة.

سيدي الوزير، السيد رئيس اللجنة، السادة المستشارين أعضاء اللجنة، سيكون من التعسف أن نختصر مجمل الإنجازات التي تحققت في بضع نقاط، لأن السيد الوزير، بلغة صريحة، أطلق ورشا مفتوحا للإصلاح في هذا القطاع غطى الجزئيات الدقيقة فيه، فما بالك بالقضايا المحورية التي تشكل مفاصل القطاع ومحركه الأساسي.

لكن مع ذلك، سأكتفي بذكر ثلاث نقاط أساسية للأثر الدال الذي تركته على القطاع:

1- الأولى وتخص آلية الدعم: إذ توجهت استراتيجية المخطط الأزرق إلى مربط الفرس المتمثل في رهن التحديث والعصرنة بالتأهيل، فاعتمدت الوزارة العديد من آليات الدعم لتأهيل القطاع وعصرنته وتحديثه، ومن ذلك برنامج إبحار لاسيما في نسخته الثالثة، والصناديق البلاستيكية التي وفرت الوزارة فيها 6 ملايين صندوق موزعة على كافة موانئ الصيد البحري، وكذا الصناديق العازلة المخصصة للصيد التقليدي العامل في مصايد الأخطبوط بالجنوب، دون أن نغفل قرى الصيد المتعددة، والدعم الذي استفاد منه المغرب من جراء الانخراط في برنامج الألفية، والذي مكن المغرب من إخراج عدة بنيات تحتية، ونقط تفريغ، وقرى للصيد في مختلف شواطئ المملكة. لقد لعبت آلية الدعم بشتى أطيافها إلى تحقيق جودة المنتوج والرفع من قيمته، والرفع أيضا من المستوى المعيشي للمهنيين.

2- والثانية تخص توفير البنى التحتية وتثمين القطاع، وفي هذا السياق تندرج بناء العديد من أسواق الجملة في إطار برنامج ضخم سهر عليه المكتب الوطني للصيد البحري، وإصدار قانون بيع السمك بالجملة، وخلق الوكالة الوطنية المكلفة بتربية الأحياء المائية، والتي اعتمدت برنامجا بسقف جد طموح حددت فيه 200 ألف طن في أفق 2020. ورغم أن هذا الرقم جد طموح بالنسبة إلى إمكانات هذه الوكالة التي بدأت من الصفر، إلا أن هذه المبادرة الشجاعة في هذه اللحظة لامست حاجة أكيدة لاسيما وأن مخرجات التربية المائية تلبي نسبا مهمة من الطلب الداخلي.

3- الثالثة وتخص تهيئة المصايد: والتي تحدثنا عنها سابقا، إذ عملت الوزارة على تحقيق شرط الشمول لأنواع من المصايد، بل حرصت كل الحرص على أن تشمل هذه التهيئة حتى (الربيعة les angles).
سيدي الوزير، السيد رئيس اللجنة، السادة الأعضاء المستشارين، قد لا أقارب كل المنجزات التي تحققت من خلال هذا التدخل المقتضب، ولكن ينبغي التأكيد أن كل هذه الإجراءات الإصلاحية التي انخرط فيها القطاع أفضت إلى اعتماد برنامج تتبع دقيق حرص المغرب على التزامه احتراما منه للقرار 2008/05 للسوق الأوربية المشتركة، وهو المسمى اليوم بـ (INN) أي محاربة السمك غير القانوني أو السمك غير المصرح له، إذ لم يكتف المغرب بتني هذا البرنامج، بل عمل على تطويره مما جعله في مصاف الدول التي تحترم المعايير الدولية المعمول بها في هذا الصدد.

وأخيرا، جاء مشروع (ٍVMS) أي مراقبة المراكب عبر الأقمار الاصطناعية والذي بوأ المغرب موقع الريادة إفريقيا لاعتماده هذه التقنية في المراقبة الحديثة، وكل هذا أفضى إلى تقنين الصيد، والمحافظة على الثروة السميكة، وتوزيع وتحسين وتجويد مختلف المصايد، وتحقيق التنافسية في القطاع، والسرعة في الأداء، وتحسين الاستهلاك الداخلي.

سيدي الوزير ، السادة أعضاء اللجنة، إن إشادتنا بكل هذه السياسات لا تعني أنه ليست لنا ملاحظات نبديها كقوة اقتراحية تروم النهوض بالقطاع واستدراك جوانب النقص فيه، فهناك جوانب خلل تمس في غالبها الماكينة الإدارية التي تعجز أحيانا عن فهم واستيعاب روح مخطط أليوتيس، وسنحاول أن نجمل هذه الملاحظات في النقاط الآتية:

1- إن الصعوبات والعوائق التي ظهرت على مستوى العمل المراقباتي تستدعي المسارعة إلى خلق مديرية متخصصة في هذا المجال تشمل جميع جوانب المراقبة والتوجيه والتأطير والتكوين.

2- إن النفس البيرقراطي الكثيف الذي يميز التعامل اليومي لمديرية الصيد البحري قد يصبح معيقا حقيقيا لتحقيق العديد من الأهداف التي جاءت بها استراتيجية الوزارة وسياستاها العمومية المنزلة لها.

3- إنه من الضروري للمكتب الوطني للصيد البحري أن يضطلع بمسؤولياته اتجاه المشاكل التي تعرفها الصناديق البلاستيكية لاسيما وقد تراءت على مسامع مهنيي الصيد البحري وجود نية للمكتب للتنصل من هذه المشاكل عبر خوصصة هذه العملية في أوج وذروة المشاكل التي تعج فيها.

4- ثمة ثلاث مشاكل مترابطة تستدعي فك التضارب الحاصل بين بعض المتدخلين، وذلك عبر اعتماد مقاربة مندمجة تتقاسم المسؤولية فيها قطاعات متعددة منها وزارة الصيد البحري، فقضية استخراج الرمال من البحر تستدعي مقاربة تشاركية مندمجة بين وزارة البيئة ووزارة الصيد البحري ووزارة التجهيز، كما أن البحث العلمي في قطاع الصيد البحري معني بالبحث في الآثار التي تتركها الأسمدة الكيماوية المستعملة في السهول المحاذية للبحار والضرر الذي تلحقه بالثروة السمكية، فالعديد من المهنيين صاروا يشتكون ندرة هذه الثروات في مناطق كانت تعج بالقمرون مثل العرائش ومولاي بوسلهام التي تعرف الزراعة الواسعة للفراولة وما تعرفه من الاستعمال الكثيف للأسمدة، وهو ما يتطلب أيضا مقاربة شمولية تحضر فيها وزارة الصيد البحري إلى جانب الفلاحة والبيئة، ثم هناك استعمال البارود والمفرقعات في الصيد في البحر الأبيض المتوسط والذي بات يستدعي مقاربة مندمجة يحضر فيها البعد المهني/ الصيد البحري، والبعد الأمني/ وزارة الداخلية والبحرية الملكية، والبعد البيئي.

5- معضلة سمك النيكرو الذي يهدد الشباك والذي لحد الآن لم توضع أي استراتيجية لمواجهته.

6- تنزيل المقاربة الجهوية على مستوى قطاع الصيد البحري.

7- تفعيل برنامج إبحار 3 الذي توقف، هذا مع إلحاح المهنيين ومطالبتهم بضرورة استمراره.

8- وأخيرا، تحفيز صادرات الأسماك الطرية وهذا موضوع يخص المكتب الوطني للصيد البحري.

السيد الوزير، السادة أعضاء اللجنة، أحب أن أختم مداخلتي بكلمة عن الملتقى الذي نظم بمدينة طنجة حول تهيئة مصايد الأربيان والذي يعطي صورة عن حالة النضج والرشد الذي يعيشه القطاع.

إذ لم يكن المنطق الذي جمع المهنيين في هذا الملتقى هو مباركة قرار الإدارة، أو ممارسة الضغط عليها للعدول عن قرار معين يضر بمصالح القطاع، وإنما تشكل منطق جديد لدى المهنيين يقوم على مبدأ التشارك، فمصلحة القطاع صارت تقتضي التشارك في صناعة القرار وترسيخ تقاليد الحوار بين المهنيين والإدارة للتوصل لأفضل الخيارات لتنظيم القطاع والنهوض به. وهذا بالتحديد هو الذي جعل المهنيين بمختلف أطيافهم يجتمعون في طنجة، لمناقشة مقترحات الإدارة بشأن الراحة البيولوجية للأربيان ومحاولة إعداد مقترحات أخرى يمكن للحوار مع الإدارة أن ينتج تركيبا يعود بالمصلحة على القطاع برمته.

وقد كان المهنيون في هذا اللقاء ينطلقون من خلفية الاستدامة في هذا القطاع، وما يتطلبه من الانضباط للراحة البيولوجية، فلم يعد هناك داخل القطاع من يرفض فكرة أن الحسم والصوت الأول والأخير في قضية الراحة البيولوجية يكون للعلم. ولذلك غطى رأي المهنيين ثلاثة جوانب أساسية: الأول يتمثل في الانطلاق من نتائج البحث العلمي في تحديد عوامل التوالد والتكاثر وحركية الأربيان، والثاني يتمثل في الدفاع عن مصالح المهنيين، والثالث يتمثل في إبداع مقترح عملي وقابل للتطبيق. وهو ما يعكس جانبا من رشد ونضج الفاعلين في هذا القطاع.

سيدي الوزير، السادة أعضاء اللجنة، لقد أردت أن أختم بهذه الكلمة، حتى تفهم الرسالة بشكل واضح: إن تمكين القطاع من استراتيجية متكاملة تتطور عبر آلية الإنصات والحوار مكن من الرفع من وعي المهنيين وساهم في تحقيق النضج والرشد للقطاع، وهو ما يحتاج إلى تثمين وتحقيق مزيد من التراكم فيه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أضف تعليق